في إصدار هذا الأسبوع من عدسة، نلقي نظرة على منظومة التأمين الصحي الشامل والتحديات التي تواجه استدامتها. كما نسلط الضوء على المشاريع القومية للصوب الزراعية، والمشاكل التي تمنع صغار المزارعين من المشاركة، والدروس المستفادة من التجارب الدولية.

التأمين الصحي الشامل وتحديات الاستدامة

في الأول من سبتمبر صرح وزير المالية د. محمد معيط، عن بدء الاستعداد لإطلاق منظومة التأمين الصحي الشامل في محافظات جنوب سيناء وأسوان والسويس، ثم في محافظات المرحلة الثانية (قنا، والبحر الأحمر، ومطروح) وغيرها. وبرغم الأهمية الكبيرة للمشروع، فإن نجاحه مرهون بالاستفادة من فترة الاختبار في محافظة بورسعيد وبقية محافظات المرحلة الأولى لحل المشكلات الجذرية التي يواجهها قطاع الخدمات الصحية المصري.

أهداف منظومة التأمين الصحي الشامل

أطلقت مصر مشروع التأمين الصحي الشامل في نوفمبر 2019، لهدف: القضاء على قوائم الانتظار للمرضى، التوسع في مشروعات المستشفيات النموذجية، وإيجاد حلول دائمة لزيادة إنفاق الأسرة على الرعاية الصحية من دخلهم الخاص والذي وصل في 2020 إلى 59.31% من إجمالي الإنفاق على الصحة، بينما متوسط المعدلات العالمية في حدود الـ16%.

وتتميز المنظومة بطموحها في وصول الخدمات الصحية ذات الجودة العالية إلى جميع المواطنين مع مراعاة أن 50% منهم يعيشون بلا غطاء تأميني صحي، وخصوصًا الأكثر هشاشة، مثل: كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والعاملين في القطاع غير الرسمي. وكانت الخطة الأساسية أن يتم الانتهاء من جميع مراحل المشروع الست في 15 سنة، إلا أن الرئيس غير المدة لتصبح 10 سنوات. وتصل التكلفة السنوية للمشروع عند انتهائه إلى 12.9 مليار دولار، أو 360 مليار جنيه مصري حسب تقديرات وزير المالية.

إشكاليات قطاع الرعاية الصحية في مصر

لطالما عانى قطاع الرعاية الصحية المصري من مشكلات عدة، أهمها: انخفاض مستوى الخدمات الصحية الحكومية، وتشتت السياسات الصحية، وهجرة الكوادر الطبية، وقلة المخصصات المالية لهذا القطاع، إضافة إلى غياب العدالة في التوزيع الجغرافي للموارد الطبية بين المحافظات.

وأنفقت مصر حوالي 5.16% من المصروفات الحكومية، و1.39% من الناتج المحلي الإجمالي على قطاع الصحة في 2020، بينما ينص الدستور على حد أدنى 3% من الناتج المحلي الإجمالي. ووصلت المعدلات العالمية في الإنفاق الحكومي على الصحة إلى 6.91% من الناتج المحلي الإجمالي، و10.68% من إجمالي إنفاق الحكومة.

تحديات أمام تنفيذ منظومة التأمين الصحي الشامل

1. ضمان جودة الخدمات ورضا المنتفعين

تشير التجارب الدولية إلى ضرورة وجود أنظمة تقييم ومتابعة ذات معايير محددة تغطي كافة جوانب الخدمات المقدمة وتقييم مدى رضاء العاملين في القطاع والمنتفعين به.

يؤكد د. أيمن السبع، الباحث في الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لحلول للسياسات البديلة على صعوبة التقييم والحكم على ما تم إنجازه لعدم تحديد وإعلان الأهداف التفصيلية للمرحلة الأولى، وصعوبة الوصول إلى معلومات عن نتائجها. ويرى السبع أن نجاح المنظومة لا يعتمد فقط على عدد المسجلين في التأمين، الذين وصلت نسبة تسجيلهم إلى 90% من إجمالي سكان محافظة بورسعيد، بل على مستوى رضاهم.

كما أن نسب الرضا العالية، التي وصلت إلى 91% واستشهد بها د. شريف كمال، مستشار رئيس هيئة الرعاية الصحية، ويتم قياسها من قبل إدارة مختصة في المنظومة - ليست مقياسًا كافيًا. تتركز تلك النسبة العالية في المرضى المتلقين للخدمات الصحية الكبيرة والمتقدمة مثل العمليات، وهؤلاء لا يمثلون سوى من 10% إلى 15% من إجمالي متلقي الخدمة، والبقية تتكون من المواطنين الذين يحتاجون إلى الخدمات الطبية البسيطة والمتقطعة. ويتوقع السبع أن نسب الرضا في هذه الفئة الواسعة المترددة على العيادات الخارجية -التي لم تشهد تغييرات جادة في جودتها- ستكون أقل بكثير.

2. انخفاض قدرات البنية التحتية الصحية في مصر

ستواجه المنشآت الصحية إشكالية زيادة عدد المنتفعين نتيجة تغطية المنظومة لجميع المواطنين، في الوقت الذي تعاني فيه مصر انخفاضًا في قدرات البنية التحتية الصحية.

3. عدم كفاية الأطقم الطبية

يواجه المشروع معضلة انخفاض عدد الكادر الطبي المصري بسبب ارتفاع معدلات الهجرة في المجال الطبي، ما يهدد نجاح المنظومة بأكملها. وتشير البيانات إلى استقالة 11 ألف طبيب مصري من أصل 120 ألف طبيب خلال الفترة الأخيرة، وذلك بسبب انخفاض رواتبهم وغياب أطر الحماية أثناء تأدية عملهم. وأكدت منظمة الصحة العالمية على أن متوسط معدل الأطباء في مصر بالنسبة إلى المواطنين وصل إلى 7.09 طبيب لكل 10 آلاف مواطن في سنة 2019، مقابل الحد الأدنى المقبول به وهو 10 أطباء لكل 10 آلاف مواطن.

وبالإضافة إلى انخفاض النسبة، فإن المنظومة الصحية تعاني أيضًا عدم عدالة التوزيع، إذ تعاني بعض المحافظات الحدودية من تواجد 2.9 أو 2.6 طبيب فقط لكل 10 آلاف مواطن.

توصيات لمنظومة تأمين صحي أكثر استدامة

وفي حين تمتد مظلة التأمين الصحي لضم محافظات جديدة، يوصي الخبراء بضرورة مواجهة التحديات القائمة لضمان منظومة أقوى وأكثر استدامة، وقادرة على التعلم من التجربة، وهو ما يبرر تطبيقها على مراحل، وتشمل التوصيات ضرورة:

1. تحسين آليات إدارة الموارد البشرية للعاملين في القطاع الصحي، وتحسين مستويات الأجور، وإصدار قوانين لحماية الأطقم الطبية لممارسة عملهم في بيئة آمنة، والاهتمام بتدريب الممرضات ومقدمي الخدمة الصحية من غير الأطباء، خاصة في المحافظات والمناطق الحدودية.

لجأت الدولة في الآونة الأخيرة إلى خفض سنوات الدراسة في الكليات الطبية، رغم اعتراضات نقابية، كما أنها أدمجت نظامًا تدريبيًّا للخريجين لتصبح مدة التكليف 3 أشهر فقط لتسريع دخولهم في سوق العمل، إلا أن هذه التدابير لا تعالج الأزمة الأصلية التي تدفع الأطباء إلى البحث عن فرص خارج البلاد.

2. تحديد الأهداف في كل مرحلة بشكل دقيق، وتوسيع قاعدة مشاركة الجمهور في تقييم المراحل، والعمل الجاد على تنفيذ ملاحظاتهم وشكاواهم، وإتاحة البيانات للمجتمع المدني للمشاركة في التقييم وتقديم الحلول البديلة.

وتشير التجارب الدولية الناجحة إلى أهمية أن تتضمن نظم التقييم والمتابعة معايير لقياس الاستدامة الاجتماعية، والاستدامة المالية، وتطور الحالة الصحية للسكان، ودرجة التغطية للخدمات، والحوكمة.

3. تطوير البنى التحتية الصحية للمستشفيات العامة والعيادات بالتوازي مع مد مظلة المنظومة الجديدة.

4. ضمان استمرار التمويل الكافي لتنفيذ مراحل البرنامج في ظل الأزمات الاقتصادية والمشكلات المالية.

ماذا تُعلمنا التجارب الدولية في الصوب الزراعية؟

ارتفعت أسعار الخضراوات والفواكه في السوق المصرية إلى نحو الضعف أو أكثر مقارنة بأسعار العام الماضي 2022، تزامنًا مع احتفاء الإعلام الرسمي بمشروع الصوب الزراعية (الـ 100 ألف صوبة) لإنتاج الخضر، الذي تتبناه الدولة منذ 2018. كذلك، لم تنعكس أهداف المشروع على تحقيق صادرات خضرية أكبر، بل شهدت الصادرات الزراعية المصرية انخفاضًا في عوائدها من 3.88 مليار دولار في 2021، إلى 3.3 مليار دولار في 2022، ما يثير التساؤل حول جدوى ذلك المشروع، وأهمية التعلم من التجارب الإقليمية والعالمية، مع التركيز في دعم المزارع الصغير.

مشروع الـ100 ألف صوبة

يتولى إنشاء المشروع الشركة الوطنية للزراعات المحمية، وهي إحدى الشركات التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة. ولم يشهد المشروع حتى الآن، تقدمًا معلنًا في إسناد إدارته إلى القطاع الخاص كما وعدت الحكومة، لتعزيز مشاركته توافقًا مع خطة الدولة للخروج من قطاع الإنتاج الزراعي. ووفقًا لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، تقدر تكلفة المرحلة الأولى من المشروع بنحو 40 مليار جنيه، وميزانية إجمالية تبلغ 24.3 مليون يورو لجميع مراحل المشروع.

ويعتبر المشروع القومي لإنشاء 100 ألف صوبة زراعية على مساحة 1.5 مليون فدان، الذي افتتحته الحكومة في فبراير 2018، من أضخم مشاريع الزراعة المحمية في الشرق الأوسط، وهدفت الدولة من خلال إنشائه إلى تحقيق معدلات أعلى للأمن الغذائي عن طريق:

وبالرغم من الاحتفاء الرسمي بالمشروع الجديد، والإعلان عن مساهمته في تحقيق فائض في إنتاج معظم الخضراوات بجودة أعلى، وانخفاض أسعارها، وتحقيق معدلات أعلى في التصدير الزراعي وتوفير العملة الصعبة؛ فإنه ما زال يواجه بعض التحديات التي تشمل: غياب التخطيط والدراسة الوافية والكفاءات العلمية القادرة على التنفيذ بخبرات سابقة في نفس المجال، وغياب منظومة معلنة للرصد والرقابة والمحاسبة، تحدد الجدوى الاقتصادية، وتتابع ما تم تنفيذه، وتقارنه بالمستهدفات الأصلية للمشروع، وتحاسب القائمين عليه وفق ذلك. وترى التقارير المختصة أن مشاريع الصوب الزراعية في مصر ما زالت لم تحرز إنتاجية عالية كما كان متوقعًا لها بسبب وجود تلك التحديات.

ما الذي يمنع صغار المزارعين من المشاركة؟

فضلًا عن احتكار الحكومة مشاريع الصوب الزراعية، حيث تقوم الشركة الوطنية للزراعات المحمية بتأجير الصوب الزراعية بعد إنشائها وتجهيزها بالكامل بالكهرباء والمياه، وتتقاضى 60% من دخل المستأجر من عوائد المحصول، تظل التكلفة الأولية المرتفعة حاجزًا أمام صغار الفلاحين، حيث تكلف زراعة فدان واحد داخل الصوب من 1 إلى 2 مليون جنيه مصري، وهو ما لا يقدرون عليه، بالرغم من كونهم في حاجة أكبر إلى تغيير أنماطهم الزراعية والدخول بقوة في الزراعة المحمية لمواجهة الأخطار المناخية وتآكل الأراضي الزراعية.

وبحسب الدراسات المختصة، يمكن تقسيم التحديات التي تواجه منتجي المحاصيل في الصوب الزراعية في مصر إلى:

تجارب دولية ملهمة

المغرب

يعتبر إقليم سوس-ماسة بالمغرب نموذجًا في نجاح منظومة الصوب الزراعية، إذ يلبي 55% من الطلب على الفواكه والخضراوات المصدرة إلى أوروبا، ووصلت مساهمة قطاع الزراعة إلى 30% من الناتج المحلي المغربي. وحظيت الزراعة الموجهة إلى التصدير بدعم واسع من الحكومة المغربية على مدار 40 عامًا، عن طريق التوسع في بناء السدود ومحطات تحلية المياه، وتجهيز قنوات الري وطرق النقل، وتحمل نصف تكلفة المياه، وتخفيض الضرائب على الاستثمارات الزراعية، وتوفير الصوب بأسعار أقل، ودعم البحث والتطوير في تقنيات الزراعة المحمية، ما أدى إلى توسع المساحات المزروعة داخل الصوب.

ولكن بالرغم من الربحية والإنتاجية العالية التي حققتها الصوب المغربية، فإن التجربة أثرت بالسلب على أصحاب الحيازات الصغيرة لصالح كبار المستثمرين والشركات، وعززت من الفجوات الاقتصادية، كما أن الزراعة المكثفة استنزفت بعض مصادر المياه الجوفية. تثير التجربة المغربية تساؤلات مشابهة للحالة المصرية، حول جدوى التوسع في الزراعة التصديرية، التي قد تعزز من مصادر الدخل الأجنبية للبلاد، إلا أن تلك الاستثمارات والتسهيلات -لكبار المنتجين والسوق الأجنبية- لا تساهم في تحقيق الأمن الغذائي أو الوصول إلى الخضراوات والفاكهة بأسعار وجودة مناسبة للمجتمع المحلي.

هولندا

تنطلق التجربة الهولندية من الالتزام الوطني الذي اتبعته في التسعينيات لإنتاج ضعف كمية الغذاء باستخدام نصف الموارد، ونجحت في أن تصبح أكبر منتج عالمي لمحاصيل الصوب الزراعية، وتمثل 50% من إجمالي إنتاج خضراوات الصوب في الاتحاد الأوروبي على الرغم من محدودية أراضيها الزراعية، بالإضافة إلى ريادتها في مجال الابتكار الزراعي في بذور الخضراوات. وكان أهم ما يميز قصة النجاح الهولندية وما يزال، هو الدعم السخي الذي قدمته الدولة إلى مجال البحث والتطوير الزراعي والمزارع التكنولوجية التجريبية، حتى أصبحت مقصد 140 دولة أخرى لتلقي المساعدة والخبرة التقنية في مجال الزراعات المحمية والمستدامة.

توصيات ودروس مستفادة

تشمل الدروس المستفادة من التجربتين الهولندية والمغربية عدة توصيات لتعظيم الاستفادة من مشروعات الصوب المصرية، تشمل:

للاشتراك في موجز "عدسة" الأسبوعي

"عدسة" موجز أسبوعي من "حلول للسياسات البديلة"، يقدم تحليل سريع لأهم الأخبار والتطورات المتعلقة بالسياسات المحلية والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية العادلة.

Read Also