أولت الدولة المصرية أهمية للعمل المحلي، لأثره المباشر على حياة المواطن اليومية ومستوى الرضا عن الخدمات العامة، فوضعت أطر عمل وقوانين لدمج المواطن بعمليات التنمية المجتمعية، تفعيلًا لمواد الدستور المصري 2014، مثل المادة رقم 27 الخاصة بالحوكمة وارتباطها بالتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، والمادة رقم 68 الخاصة بشفافية المعلومات، بالإضافة إلى المادة رقم 176 الخاصة بتطبيق اللامركزية.
إلى جانب ذلك هناك ميكنة ورقمنة بعض الخدمات العامة، إضافة إلى تدشين صفحات رسمية للوحدات الحكومية بمختلف مستوياتها لتسهيل التواصل المباشر مع المواطنين، والإعلان عن الإنجازات والخدمات وخطوات الحصول عليها.
انعكس ذلك في مجمله على معدلات أداء بعض الخدمات التي شهدت تحسنًا، وأتاح خيارات مختلفة للمواطن ليحصل على خدماته العامة، كما عزز مشاركة المواطن في تحديد أولويات الإنفاق الحكومي.
وعليه، فإننا نستعرض في هذا المقال آليات السياسة العامة لحوكمة الإدارة المحلية، بالوصف والتحليل لبعض الدراسات والبحوث العلمية، كذلك بعض القوانين والقرارات ذات الصلة، في إطار مناقشة قضيتي حوكمة الإدارة المحلية بين الواقع والمأمول، وأثر حوكمة الإدارة المحلية على كفاءة أداء البرامج الحكومية.
<h3 dir="rtl">حوكمة الإدارة المحلية بين الواقع والمأمول</h3>
طُرح مفهوم حوكمة القطاع العام لتجنب حدوث أزمات إدارية، وللقضاء على هدر أموال الحكومة، وذلك عبر تعزيز الرأي العام وتفعيل مشاركته في صناعة القرار.
استنادًا إلى ذلك، فإن حوكمة الإدارة المحلية، هي مجموعة الإجراءات التي من شأنها إرساء قواعد ومعايير تحسين عملية صنع القرار، لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، عن طريق تطبيق المبادئ التالية:
المشاركة:&nbsp;وتشير إلى الإجراءات والآليات التي تتخذها الإدارة المحلية لتسهيل مشاركة المواطنين في صناعة القرارات والتعبير عن أولوياتهم، كما تعني مزيدًا من الثقة وقبول القرارات السياسية.
المساءلة: توفر آليات تخضع صانع القرار في الأجهزة المحلية لمساءلة المواطنين والأطراف الأخرى ذات العلاقة.
الشفافية: إتاحة البيانات والمعلومات المدققة بسهولة لجميع المواطنين والأطراف ذات العلاقة.&nbsp;
الاستجابة: أن يترجم برنامج عمل الحكومات أولويات المواطنين كافة دون تمييز. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاستجابة ترتبط بشكل أساسي بدرجة المساءلة، والتي تنعكس على مشاركة المواطنين للحكومة في تحقيق التنمية المجتمعية المستدامة.
وقد اتخذت الحكومة المصرية العديد من الخطوات الجادة نحو حوكمة الإدارة المحلية، فوضعت آليات لدمج المواطن في جهود التنمية المجتمعية، من أهمها إدراج الحوار المجتمعي كأحد مصادر مشروعات الخطط الاستثمارية في موازنات الوحدات المحلية، إلى جانب آليات تلقي ومتابعة شكاوى المواطنين، بالإضافة إلى إتاحة خيارات متعددة للحصول على الخدمات العامة، وكذلك متابعة وتقييم أداء الوحدات المحلية والمحافظات المتمثلة في تقارير المراجعة المحلية وتقارير تنافسية المحافظات، وتقارير متابعة أداء الخدمات العامة وغيرها.
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;">أثر حوكمة الإدارة المحلية على كفاءة أداء البرامج الحكومية</h3>
تعد مشاركة المواطنين في عمليات التنمية المحلية مؤشرًا لمستوى ثقتهم في الحكومة، ومن ناحية أخرى تعكس زيادة مؤشر استجابة الحكومات أو ما يطلق عليه "مؤشر الحكومة المستجيبة"، ما يؤدي لتدعيم رأس المال الاجتماعي كما هو موضح بالشكل التالي:
<img style="display: block; margin-left: auto; margin-right: auto;" src="https://api-aps.aucegypt.edu/uploads/tinymce/1702538838imagePicture1.png" alt="" width="405" height="247">
يوضح الشكل ديناميكية العلاقة بين رأس المال الاجتماعي وحوكمة الإدارة المحلية
ويعزز تطبيق مبادئ الحوكمة الثقة بين المواطنين وحكوماتهم، استنادًا إلى معايير وقيم تتضمن الشفافية والمحاسبية، ما يحقق تكاملًا بين مؤسسات المجتمع وتوحيدًا لأهدافها.
من جهة أخرى، فإنّ تبني الحكومة المصرية لمبادئ الحوكمة سيؤثر على مستوى مؤشر التنافسية وخاصة محور البيئة المواتية (الشفافية والمحاسبية)، وكذلك الحال مع صياغة أطر قانونية تضمن الاستدامة، على أن يتم تطبيقها على كافة مستويات الإدارة المركزية والمحلية.&nbsp;
وعليه، فإن تطبيق مبادئ الحوكمة بالإدارة المحلية، هو أحد معايير تقييم مؤشر التنافسية، لتأثيرها المباشر على مستوى الإنتاجية ومن ثم تحقيق الاستقرار الاقتصادي.&nbsp;&nbsp;
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;">متطلبات حوكمة الإدارة المحلية</h3>
اتخذت الحكومة المصرية العديد من الإجراءات والتدابير تفعيلًا لحوكمة الإدارة المحلية، والتي من بينها مشروع التحول الرقمي وميكنة الخدمة المحلية وآليات التخطيط للمشروعات القومية (الحوارات المجتمعية الخاصة بمبادرة حياة كريمة، ومشروعات تنمية صعيد مصر)؛ والتي تعتمد على مشاركة المواطنين في عمليات التخطيط والتنفيذ ومتابعة المشروعات، مع وضع الآليات التي تضمن استدامة تلك الإجراءات مثل تعديل هياكل الوحدات المحلية ورفع كفاءة الجهاز الإداري وقواعد إعداد موازنة البرامج، وغيرها من الإجراءات.&nbsp;
مع ذلك، ثمة حاجة للمزيد من المتطلبات طبقًا لنتائج دراسة سمير سعيد معوض "متطلبات حوكمة الإدارة المحلية لتحقيق التنمية المستدامة". وتشمل تلك المتطلبات:&nbsp;
1. متطلبات البنية المؤسسية لحوكمة نظم الإدارة المحلية:
وتتمثل في ضرورة توفير بنية معلوماتية لتسهيل متابعة وتقيم أداء الإدارة المحلية، إضافةً إلى إعداد التواصل مع المواطنين.&nbsp;
تتفق تلك النتيجة مع نتائج دراسة هبه فريد عبد الحميد محرم، التي أشارت إلى ضرورة تطوير الحوكمة لآليات التواصل مع الجمهور، وخاصة الآليات الإلكترونية، بغرض تطوير طرق تقديم الخدمات وتقييم الأداء الحكومي.&nbsp;
أشارت أيضًا إلى ضرورة الاستعانة بالكوادر المجتمعية لتحقيق التنمية، وإعداد منصات رقمية لتسهيل التواصل المباشر بين المواطن والإدارة المحلية، بالإضافة إلى حاجة الإدارة المحلية لمزيد من الرقابة الداخلية لوحدتها.
2. المتطلبات البشرية لحوكمة نظم الإدارة المحلية:
وتتمثل في ضرورة تأهيل القوى البشرية لإعداد رؤية عامة تتناسب وطبيعة المحافظة، حيث تتطلب حوكمة الإدارة المحلية توفر كوادر بشرية مدركة لأهداف التنمية المستدامة وأهمية مشاركة المواطنين في خطط تنمية المحافظة لتحقيق ذلك.&nbsp;
وهي نتيجة تتفق مع نتائج دراسة منال محمد الوكيل، التي أكدت على أن تطبيق مبادئ الحوكمة يحسن أداء العاملين بالقطاع الحكومي، حيث يصقل خبراتهم من خلال التواصل المباشر مع المواطنين، ويجعلهم أكثر إلمامًا باحتياجاتهم وأولوياتهم.
3. المتطلبات التنظيمية لحوكمة نظم الإدارة المحلية:
وتتمثل في ضرورة تطوير التشريعات والأطر القانونية لإرساء قواعد حوكمة الإدارة المحلية، وتطوير الهياكل الإدارية للوحدات المحلية لتتناسب مع متطلبات الحوكمة، وأيضًا تطوير آليات التواصل الدوري بالجمهور، بالإضافة إلى آليات المساءلة المجتمعية، وتحديد مدى زمني للحصول على الخدمات العامة وإعلانها للجمهور.
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;">معوقات تطبيق حوكمة الإدارة المحلية</h3>
يمكن القول إن معوقات تطبيق حوكمة الإدارة المحلية، تتمثل بشكل أساسي في رؤية الحكومة المركزية لصياغة رؤية المحافظة، والتي تشير إلى عدم الإدراك لأهمية مراعاة خصوصية وطبيعة المحافظة، وبالتالي عدم دعم الميزة التنافسية لها.
كما أن ضرورة تطوير الأطر القانونية الحالية، يعكس جمود الهياكل الإدارة بالإدارات المحلية، وهو جمود لا يتناسب مع تطبيق مبادئ الحوكمة.
من المعوقات أيضًا عدم اهتمام بعض المواطنين بالمشاركة في العمل العام، وعدم متاعة المواطنين للمشروعات القومية وأهدافها، وضعف البنية المعلوماتية بالإدارات المحلية.
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;">التوصيات</h3>
على ضوء ما سبق، نوصي بضرورة تضافر كافة أجهزة الدولة لصياغة رؤية متكاملة تعكس أولويات المواطن في شتى المجالات، وتتناسب مع طبيعة المحافظة، وتدعم الميزة التنافسية لها، وذلك في النهاية بغرض تحقيق ما يلي:
- إعادة النظر في الهياكل التنظيمية الحالية التي تدعم حوكمة الإدارة المحلية.
- إنشاء مجالس استشارية مشتركة من رجال الجامعة وقيادات المجتمع لتحديد حاجات المجتمع والتعرف على مشكلاته.&nbsp;
- إعداد مراكز خدمة المجتمع للقيام ببعض الدورات لتدريب أفراد المجتمع على بعض الحرف والمشاريع.
- المساهمة في تطوير التكنولوجيا المختلفة، ومحاولة تسهيل استفادة أفراد المجتمع منها .
- مساعدة أفراد المجتمع عن طريق تقديم أفكار جديدة ومتطورة لكيفية إدارة المشاريع والأعمال المختلفة، وتقديم الاستشارات المتنوعة في المجالات المختلفة لأفراد المجتمع.
- توعية المواطنين بأهمية المشاركة المجتمعية عن طريق تنظيم المحاضرات والندوات.
- مشاركة أبناء الجامعة من طلبة وأعضاء هيئة التدريس في المجال التطوعي العام لخدمة المجتمع.
<h3 dir="rtl" style="text-align: justify;">الخطوات الإجرائية</h3>
ولتحقيق ذلك، نوصي بما يلي كخطوات إجرائية:
- تنظيم ورشة عمل تقدمها القيادات الحكومية والشعبية، لتوعية الطلاب بالمشروعات القومية، والمشاركة في صياغة استراتيجية لتفعيل دور الشباب في دعم المشروعات القومية.
- إنشاء قاعدة بيانات للمشروعات القومية، وتصنيفها، وإعداد جداول زيارات على مدار العام.
- عقد ورش عمل تقدمها قيادات المؤسسات المجتمعية، لتوعية الشباب بدور المجتمع المدني في تحقيق التنمية.
- تكوين مجموعات من متطوعين، لاستثمار جهودهم في التنسيق بين مبادرات المواطنين الفاعلين لدعم المشروعات القومية.
- إعداد دراسات دورية لقياس أثر المشاركة في مبادرات دعم المشروعات القومية ومؤشرات المواطنة الفعالة.
<hr>
المراجع:
- سمر سعيد معوض، (2023)، متطلبات حوكمة الإدارة المحلية لتحقيق التنمية المستدامة، مجلة كلية الخدمة الاجتماعية للدراسات والبحوث الاجتماعية- جامعة الفيوم - ع 21، 167- 202.
- لوريس مفيد كراجه، وإسماعيل عريقات، (2022)، أثر تطبيق الحوكمة على تحسين أداء العاملين في الوزارات الفلسطينية، المجلة العربية للإدارة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، المجلد 45، العدد 2، 1-15.
- منال محمد الوكيل، (2021)، تأثير مبادئ الحوكمة على الأداء الوظيفي: دراسة تطبيقية على حي شرق مدينة نصر، المجلة العربية للإدارة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، المجلد 41، العدد 4، 197-222.
- هبة فريد عبد الحميد محرم، (2019)، التواصل الإلكتروني وتطوير الأداء الحكومي، القاهرة، رسالة ماجستير، قسم الاجتماع، كلية البنات للآداب والعلوم والتربية، جامعة عين شمس.

آراء

Read Also