- ٢٦ نوفمبر، ٢٠٢٣
في إصدار هذا الأسبوع، وبمناسبة COP 28 نلقي نظرة على مشروعات مصر في مجالات استصلاح الأراضي ووسائل النقل المستدامة
أبرزت حملة الرئيس السيسي الانتخابية مشروع "الريف الجديد"، وهو عنوان كبير لعدة مشروعات تهدف إلى التوسع الأفقي في الزراعة من خلال استصلاح الأراضي الصحراوية وتدارك التآكل في مساحة الرقعة الزراعية الخصبة في الدلتا القديمة والوادي. ووفقًا لما جاء في خطاب الحكومة، تهدف مشروعات الاستصلاح الجديدة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي وزيادة الصادرات وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة وتوفير فرص عمل. ولكن يرى بعض المراقبين أن هذه المشروعات تحمل العديد من الإشكاليات التي قد تحول دون تحقيق هذه الأهداف.
من أهم مشروعات الاستصلاح الجديدة أيضًا وربما أضخمها هو مشروع الدلتا الجديدة الذي بدأ في عام 2016 على مساحة قدرها حوالي 2.2 مليون فدان، ويقع على امتداد محور "روض الفرج-الضبعة الجديد"، ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة النهائية للمشروع حوالي خمسة مليارات دولار.
يرى الباحث الاجتماعي صقر النور، المتخصص في مجال الزراعة، أن سياسة الدولة في استصلاح الأراضي لم تتغير منذ عهد مبارك، فهي تغفل صغار ومتوسطي المزارعين/ منتجي الغذاء، وتستهدف من الأساس رأس المال الضخم سواء المصري أو الأجنبي.
ويرى صقر النور أن شروط التخصيص الخاصة بصغار الملاك بها بعض الإجحاف الذي قد يُصعب من مشاركتهم في هذه المشروعات. وتمثل هذه الشروط قطيعة واضحة مع الامتيازات القليلة الممنوحة للشباب والخريجين في عهد مبارك، التي كانت تسمح لهم بتقسيط قيمة الأرض المستصلحة على 30 عامًا.
دائمًا ما يفضل المستثمر الاعتماد على الميكنة المتطورة مما لا يسمح بتوفير فرص عمل حقيقية وما يسستتبعها من نقل السكان إلى هذه المناطق المستصلحة وإقامة تجمعات عمرانية جديدة. وهذا ما حدث بالفعل في بعض أراضي مشروع توشكى التي تم بيعها لمستثمرين خليجيين. كما يهدف المستثمر أحيانًا إلى المضاربة على الأرض واستخدام بعضها كمحفظة عقارية يمكن بيعها فيما بعد.
ومن جهة أخرى، التكلفة المرتفعة لهذه المشروعات قد تشكك في قدرة الحكومة على الاستمرار في تنفيذها خاصة وأن الوضع الاقتصادي المصري مرشح لمزيد من التدهور.
وفيما يخص الاكتفاء الذاتي من السلع الإستراتيجية، استبعدت دراسة صادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية عام 2016 أن تؤدي مثل هذه المشروعات إلى تخلي مصر عن استيراد سلعة كالقمح، وقد افترضت الدراسة جدلًا حينها، أنه حتى في حال قررت الحكومة زراعة القمح فقط على مساحة مشروع "المليون ونصف فدان" بأكمله، فذلك سيؤدي إلى زيادة الإنتاج المحلي من القمح بنسبة 45% أي حوالي 3.78 مليون طن متري في حين أن واردات مصر من القمح عادة ما تقارب الـ11 مليون طن متري. بل على العكس، وبرغم ارتفاع معدلات إنتاج القمح نسبيًّا في السنوات الأخيرة، فإنه من المتوقع ارتفاع حجم الواردات من القمح بسبب الزيادة السكانية.
وفي جميع الأحوال، رأى معدو الدراسة أنه عادة ما تخصص الأراضي المستصلحة لزراعة الخضر والفواكه نظرًا إلى أرباحها المرتفعة، ولأنها قابلة للتصدير.
أما بالنسبة إلى زيادة الصادرات، وفقًا لوثيقة حكاية وطن، فإن صادرات مصر الزراعية قد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة كأحد إنجازات مشروعات الاستصلاح الجديدة، فقد بلغ حجمها 6.5 مليون طن في 2022 بزيادة قدرها حوالي 800 ألف طن عن العام السابق، ووصلت قيمتها إلى 3.3 مليار دولار. وهنا يرى الباحث صقر النور أن بتصدير الحاصلات الزراعية فمصر تصدر المياه أيضًا، الأمر الذي من شأنه تعميق أزمة المياه وتعقيد المفاوضات الدائرة حول حصة مصر من النيل وسد النهضة. أما الإشكال الثاني فهو يتعلق بإعادة التوزيع، فالمستفيد من عوائد التصدير -وفقًا لصقر النور- هي المزارع الضخمة وكبار المستثمرين المعنيين بمشروعات الاستصلاح بالرغم من أن من يتحمل تكلفة البنية التحتية لمشروعات الاستصلاح هي الخزانة العامة.
يعد قطاع النقل في مصر وفي العالم كله من أكثر القطاعات الملوِّثة للبيئة. كما أنه الأكثر استهلاكًا للوقود الأحفوري. ويعتبر نقل الحاويات بالسفن وما يتم نقله بالقطارات أقل بصمةً كربونيةً مقارنة بالنقل على الطرق البرية.
تلجأ مصر إلى تمويل مشاريع النقل المستدام عبر قروض ميسرة، ولذلك أطلقت مصر "البرنامج الوطني للاستثمار في مجـال العمل المناخي" برنامج نوفى، وقد تضمن بندًا خاصًّا بتمويل مشاريع النقل المستدام.
حيث تم توقيــع اتفــاق شــراكة بيــن وزارة التعاون الدولي، ووزارة البيئة، ووزارة النقــل، وبنك الاستثمار الأوروبي، والبنك الأوروبي لإعــادة الإعمــار والتنميــة، والوكالة الفرنسية للتنمية - لتمويل مشروعات قطـاع النقـل، حيــث تعهدت الجهات التمويلية بالآتي: (1.5 مليـار يـورو مـن بنـك الاسـتثمار الأوروبـي، و1.5 مليار يورو مـن البنـك الأوروبـي لإعادة الإعمار والتنمية، و500 مليـون يـورو مـن الوكالـة الفرنسـية للتنميـة).
ويزيد التمويل الدولي الذي حصلت عليه مصر لتمويل مشروعات النقل المستدام، من ضغوط الأقساط والفوائد على الاقتصاد المصري، كما يعكس مشكلة هيكلية تتعلق بضعف الإيرادات الدولارية في مقابل احتياجاتنا التنموية.
وفي إطار عمل مقارنة بين مشروعات النقل المستدام المختلفة، من حيث التكلفة الاقتصادية، تظهر الملاحظات التالية:
1- ارتفاع تكلفة خط المونوريل، فوفقًا لخبراء النقل والطرق، جاء إنشاؤه أولًا مخالفًا للأسس التي أعلنتها وزارة النقل، التي تتمثل في: الشوارع الضيقة والمزدحمة التي تتسم بانحناءات أفقية كبيرة، وهو ما لم يتوفر في المناطق التي تم تنفيذه فيها، لأنها أحياء جديدة تتميز بشوارع واسعة (6 أكتوبر والتجمع الخامس والعاصمة الإدارية، وحتى مدينة نصر رغم أنها حي قديم فإنها تتميز بالشوارع الواسعة). وستتسبب سرعة الرياح والرمال العالية بها في التأثير في كفاءة التشغيل.
وبسبب ارتفاع تكلفة الإنشاء والصيانة، وكذلك تكلفة الكيلومتر من المونوريل (30 مليون دولار)، كان من الأفضل اقتصاديًّا أن يتم استبداله بالأتوبيس الترددي السريع (15 مليون دولار/كم) أو القطار الكهربائي الخفيف (22 مليون دولار/كم)، وهذا يناسب المناطق المستهدفة به.
أدى ارتفاع التكلفة الكبيرة للمونوريل، التي مثل عبئًا كبيرًا على موارد الدولة، الحكومة إلى أن تتجه إلى طرح نسبة من مشروعات المونوريل والقطار السريع في البورصة، بالإضافة إلى إطلاق أسماء رجال أعمال أو مشروعاتهم على محطات قطارات المونوريل والقطارات الكهربائية السريعة والخفيفة، مقابل المشاركة في التمويل باليورو، وكذلك الجامعات الخاصة.
2- كما أنه توجد معضلة حقيقية تواجه البلاد في التوسع الكبير لمشاريع النقل المستدام، وهي توافر الكهرباء اللازمة لتشغيل كل تلك المشاريع الضخمة، خصوصًا في ظل الأزمة المستحكمة لإنتاج الكهرباء التي نعاني منها، التي دفعت الحكومة إلى تنظيم حملة لتخفيف الأحمال وقطع التيار الكهربائي من بداية الصيف وحتى الآن.
3- أسعار التذاكر، هل ستصبح في متناول المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، خاصة مع تكاليف الإنشاء العالية؟ وهي مشكلة واجهتها الحكومة عند بدء تشغيل القطار الكهربائي، حيث حال ارتفاع أسعار التذاكر دون إقبال المواطنين عليه، ما دعاها إلى تخفيض وصل إلى 50%، لتشجيع استخدامه.
للاشتراك في موجز "عدسة" الأسبوعي
"عدسة" موجز أسبوعي من "حلول للسياسات البديلة"، يقدم تحليل سريع لأهم الأخبار والتطورات المتعلقة بالسياسات المحلية والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية العادلة.