حلول للسياسات البديلة | ارتفاع أسعار الوقود والحد الأدنى للأجور

ارتفاع أسعار الوقود والحد الأدنى للأجور

  • ١٢ مارس، ٢٠٢٣

في إصدار هذا الأسبوع نلقي نظرة على مآلات ارتفاع أسعار الوقود والحد الأدنى للأجور، والعودة للتوقيت الصيفي


ارتفاع أسعار الوقود في مصر، مآلات وتوصيات

أصدرت وزارة البترول  يوم الأربعاء 1 مارس، قرارًا برفع أسعار البنزين وغاز السيارات بنسبٍ تراوحت بين 7% و11% مع تثبيت سعر السولار بدون تغيير. ويأتي القرار مخالفًا للقانون الذي ألزمت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية به نفسها - بألا تزيد نسبة التعديل عن 10% ارتفاعًا أو انخفاضًا، إذ بلغت الزيادة في سعر لتر بنزين 92 حوالي 11%. يأتي ارتفاع أسعار الوقود متماشيًا مع شروط قرض صندوق النقد الدولي لمصر، التي كان في مقدمتها تقليص الدعم الحكومي في العديد من السلع، وعلى رأسها مختلف أنواع الوقود.

أسعار الوقود تتراجع عالميًّا

أرجعت وزارة البترول زيادة الأسعار إلى تذبذب أسعار خام برنت وسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، بالرغم من تراجع أسعار النفط خلال الفترة الحالية عالميًّا، لتصل إلى مستويات مقاربة لما كانت عليه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، ما يعني أن زيادة سعر الوقود في مصر يرجع سببه فقط إلى تراجع قيمة الجنيه المصري.

تتراوح أسعار النفط حاليًّا بين 77.65 إلى 84 دولارًا للبرميل، بينما كانت الأسعار قبل الحرب بين 91 دولارًا للبرميل في يناير 2022، إلى 81 دولارًا للبرميل في نوفمبر 2021. وبدأت أسعار النفط في التراجع منذ سبتمبر الماضي 2022، وكان ذلك بالتزامن مع انخفاض أسعار الغاز في أوروبا إلى أقل من 50 يورو لكل ميجاوات/ ساعة، وذلك لأول مرة بعد أن بلغت ذروتها في أغسطس 2022 عند قرابة 350 يورو لكل ميجاوات/ ساعة.

وذكرت تقارير صادرة عن الهيئة العامة للبترول في فبراير الماضي تزايد قيمة دعم المواد البترولية خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2023/2022، بنسبة 288.2% لتصل إلى 66 مليار جنيه، مقابل 17 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالي 2022/2021. ورغم الزيادات المتوالية في أسعار الوقود، فإن فاتورة دعم الطاقة لم تتقلص كما كان مأمولًا.

تداعيات ارتفاع أسعار الوقود

من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى موجة جديدة للغلاء في أسعار السلع والمنتجات الأساسية أهمها الغذاء بنسبة قد تصل إلى 5%، مضيفة أعباء جديدة على المواطنين والتشغيل في المصانع والشركات، خاصة مع تزامنها مع اقتراب شهر رمضان وما يصاحبه من كثافة  شرائية واستهلاكية، وكذلك زيادة فاتورة الاستيراد للسلع ومستلزمات الموسم من قبل المستوردين.

ستنعكس زيادة أسعار المحروقات على معدلات التضخم المرتفعة بالفعل بسبب تدهور قيمة الجنيه المصري. قفز معدل التضخم السنوي إلى 32.9% في فبراير 2023 - بمعدل زيادة أربعة أضعاف مقارنةً بالعام الماضي، طبقًا لإعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهو أعلى مستوى للتضخم منذ 6 سنوات. ويشكك بعض الخبراء في دقة البيانات الرسمية، مقدرين أن التضخم في مصر تخطى حاجز الـ100% - أي أكثر من الرواية الرسمية بـ5 أضعاف، وهذا قبل حساب تأثير ارتفاع الوقود.

فرص الإنتاج المحلي: سعر أفضل؟

تتحرك الحكومة المصرية بنشاط في تلبية التزامات صندوق النقد بتقليص نفقات الدعم، رغم الأعباء المجتمعية المترتبة عليه، في حين تؤجل - أو تتجاهل - باقي الشروط والتي تتضمن الحد من الإنفاق الدولاري على مشاريع جديدة. وما زالت الحكومة تباشر افتتاح وتنفيذ مشروعات سكنية وبِنية تحتية حتى اليوم، بالإضافة إلى التباطؤ في التخارج الفعلي للدولة من القطاعات الاقتصادية المختلفة. وبالرغم من اتباع صندوق النقد روشتة موحدة لجميع الدول، محورها الأساسي هو المزيد من الإجراءات التقشفية لسد عجز الموازنة فإن الدعم والعجز في مصر مستمران في التصاعد.

ولإيجاد حلول موازية لمواجهة الارتفاع المستمر في أسعار الوقود، يوصي الخبراء بضرورة العمل على  تطوير خطط إنتاج الوقود (بنزين وسولار) التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الماضية والتي لم يتم تفعيلها حتى الآن. وتشير الدراسات إلى أن الشركة المصرية العامة للبترول وما يتبعها من هيئات، هي اللاعب الوحيد في السوق فيما يتعلق بإنتاج المنتجات المشتقة من النفط، وتعاني من سوء إدارة هيكلية، وبالتالي من ضعف في كفاءة الإنتاج. ويقترح المختصون ضرورة العمل على تحديث حالة معامل تكرير النفط الخام واتباع طرق إنتاج أكثر كفاءة واستدامة لتوفير جزء من احتياجاتنا النفطية من الخارج - يتراوح بين 25% إلى 30% من الإجمالي - ولتحقيق فائض أعلى في الإنتاج المحلي وما ينتج منه من انخفاض في الأسعار وتكلفة الدعم المقدم.


رفع الحد الأدنى لأجور القطاع العام، هل يكفي؟

أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم الخميس 2 مارس 2023، زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالجهاز الإداري للدولة بمقدار 1000 جنيه على الأقل، ليصبح 3500 جنيه مصري شهريًّا (نحو 116 دولارًا أميركيًّا)، وزيادة معاشات التقاعد بنسبة 15% اعتبارًا من أول إبريل المقبل، ورفع حدِّ الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي من 24 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه سنويًّا، وزيادة الفئات المالية الممنوحة للمستفيدين من برامج تكافل وكرامة بنسبة 25٪ شهريًّا. وبحسب رئاسة الوزراء، فإن تكلفة تحسين أجور العاملين بالدولة تصل إلى 190 مليار جنيه (حوالي 6 مليار دولار) سنويًّا.

هل أجور القطاع العام ارتفعت حقًّا؟

في ظل معدلات غير مسبوقة للتضخم في مصر، وهبوط سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار خلال آخر 10 سنوات بنسبة 275%، يتبين أن قيمة الأجور الحقيقية مقومة بالدولار قد انخفضت بنسبة 35% بالرغم من قرارات رفع الحد الأدنى.

وفقًا لتقريرٍ لمنظمة العمل الدولية (ILO) "تقرير الأجور العالمي 2023/2022: تأثير التضخم وCOVID-19 على الأجور والقوة الشرائية"، فإن ارتفاع التضخم يخفض القوة الشرائية للطبقات الوسطى ويضرب الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل خاص، وذلك لأنهم ينفقون معظم دخلهم المتاح على السلع والخدمات الأساسية، التي تشهد عمومًا زيادات في الأسعار أكبر من المواد غير الأساسية. كما ستزداد نسب عدم المساواة في الدخل والفقر إذا لم يتم الحفاظ على القوة الشرائية لأصحاب أقل الأجور.

كيف سيمول الحد الأدنى المرتفع؟

بسبب إجراءات التقشف التي تتبعها الحكومة المصرية التزامًا بشروط قرض صندوق النقد الدولي، تقلصت حصة الإنفاق على الأجور من الموازنة العامة للدولة خلال الـ10 سنوات الأخيرة من 25% إلى 11%، وانخفضت إلى حوالي النصف كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي: من 8.2% إلى 4.9%. ويرجع هذا إلى أن الجزء الأكبر من الموازنة العامة يذهب إلى خدمة الديون وسداد فوائد الاقتراض.

ويقودنا هذا إلى التساؤل عن المصادر التي ستلجأ إليها الحكومة لتوفير حزمة الـ190 مليارًا المخصصة للأجور. فوفقًا لوزارة المالية، تم تدبير نفقات زيادة الأجور في نوفمبر 2022 - وصلت إلى 67 مليار جنيه - من الاحتياطي الموجود في موازنة عام 2023/2022، الذي يبلغ إجماليًّا 150 مليارًا، تم صرف ما يقارب نصفهم في الزيادة الماضية، إضافة إلى سحب جزء آخر لتدبير زيادة سعر توريد القمح للحكومة؛ ما يعني أن مخصصات الاحتياطيات في الموازنة لن تكفي لتغطية نفقات زيادات الأجور والمعاشات الجديدة.

ماذا عن القطاع الخاص؟

بينما يثمن بعض الخبراء هذا القرار - رغم أنه لا يواكب نسبة التضخم - لأنه يوفر بعضًا من التعويض أو التحوُّط أمام ارتفاع الأسعار للعاملين بالقطاع الحكومي ومؤسسات الدولة، الذى يبلغ عددهم 6 ملايين شخص، يلفت آخرون إلى أن الحكومة تتجاهل احتياج القطاع الخاص - الذي يضم مع القطاع غير الرسمي ثلثي القوى العاملة - إلى أجور عادلة نسبيًّا، حيث  يقل متوسط الأجر فيه إلى أكثر من 45% مقارنةً بمتوسط الأجر في الحكومة، بحسب بيانات الجهاز المركزي للمحاسبات. 

وفي ظل وعودٍ مرسلة من أعضاء المجلس القومي للأجور بضرورة زيادة أجور القطاع الخاص، إلا أن أصحاب الأعمال والشركات يرونه صعب التحقيق ويرفضون زيادة الأجور منذ العام الماضي نظرًا إلى تعرضهم لخسائر نتجت من  تخفيض قيمة الجنيه، وحالة الركود الحاد المستمرة على مدار عامين، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وارتفاع معدلات الفائدة بالبنوك التي قوضت الاستثمار. هذا بخلاف ملايين أخرى تعاني من العمالة غير المنظمة أو البطالة أو التسريح إثر تصفية المنشآت الخاصة على وقع تراجع الاقتصاد المدني وانكماشه. 

توصيات أخرى إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور

بدون التدخل العاجل للسيطرة على التضخم عن طريق توسيع الاستثمارات في القطاعين الصناعي والزراعي وإزالة العقبات أمام مشاركة القطاع الخاص المعني بالتصدير، لن تؤدي زيادة الأجور إلى رفع مستويات معيشة العاملين، وستبقى مجرد أوراق مالية أو نقود يأكل قيمتها التضخم الماضي في الارتفاع، نتيجة انخفاض سعر صرف الجنيه وليس بسبب ارتفاع الطلب أو القدرة الشرائية لدى أغلب الشرائح. بل ومن الممكن أن يكون لزيادة الأجور تأثير سلبي في رفع معدلات التضخم، لأنها زيادة غير مرتبطة بحلقة الإنتاج في البلاد.

وإلى جانب العمل على كبح مستويات التضخم عن طريق خلق بدائل لسد الفجوة التمويلية، والعمل على رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، يوصي المختصون بضرورة رفع حد الإعفاء الضريبي، الذي يقل عن الحد الأدنى للمرتبات حتى تستفيد النسبة الأكبر من محدودي الدخل، بالإضافة إلى وقف العمل المؤقت ببعض الضرائب القائمة كضريبة القيمة المضافة، التي تلعب دورًا مهمًّا في تغذية التضخم.


للاشتراك في موجز "عدسة" الأسبوعي 

"عدسة" موجز أسبوعي من "حلول للسياسات البديلة"، يقدم تحليلًا سريعًا لأهم الأخبار والتطورات المتعلقة بالسياسات المحلية والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية العادلة.