حلول للسياسات البديلة | مواجهة العنف في غرف طوارئ المستشفيات

مواجهة العنف في غرف طوارئ المستشفيات

  • ٢ سبتمبر، ٢٠٢٤

في إصدار هذا الأسبوع، نناقش الأسباب الهيكلية وراء تزايد الاعتداءات على الأطقم الطبية في غرف الطوارئ ونطرح حلولا لتنظيمها


يسلط استمرار الاعتداءات على الأطقم الطبية في غرف الطوارئ في مصر الضوء على إشكاليات هيكلية في المنظومة الصحية. بحيث تتفاقم الأزمة في أقسام الطوارئ بسبب سوء التجهيزات، وتردي بيئة العمل، وتدني الأجور التى تزيد من هجرة العمالة الطبية. كما يعد غياب قانون للمسؤولية الطبية أهم أسباب تأزم العلاقة بين الطبيب والمريض. 

علاقة عدائية بين الطبيب والمريض

عرفت منظمة الصحة العالمية العنف في مكان العمل ضد الأطقم الطبية بالاستخدام المتعمد له أو التهديد به. وتعد معدلات العنف ضد العاملين في القطاع الصحي في مصر هي الأعلى في إفريقيا، وتتركز في أقسام الاستقبال والطوارئ نتيجة غياب إطار قانوني متخصص في حماية الأطباء من الاعتداءات.

تظهر بحوث استطلاعات على العاملين في القطاع الصحي في 13 محافظة ارتفاع معدلات العنف ضد الأطباء في مصر، حيث تعرض 88% منهم للعنف اللفظي، و42% للاعتداء الجسدي، و13.2% للتحرش الجنسي.

في حين تعرض 30.5% من المبحوثين للعنف أكثر من 5 مرات في سنة واحدة، لم يتقدم سوى 14.3% من الأطباء قيد البحث بإجراء قانوني، ما يعكس عدم فعالية الإجراءات القانونية المتخذة. فيتم التعامل مع بلاغات الاعتداء على الأطباء طبقًا لقانون العقوبات المصري كمشاجرة، بعيدًا عن خصوصية المهنة وظروف الواقعة.

وبغض النظر عن حجم العقوبة، فإن امتثال الأطباء للتحقيق الجنائي سواء كانوا المدعين أو المدعى عليهم من شأنه أن يقوض نظام الصحة العامة ويضر بقدرتهم على توفير الرعاية اللازمة للمرضى. ففي حين تطالب نقابة الأطباء بتغليظ عقوبة الاعتداء على المنشآت الصحية والفريق الصحي في المستشفيات العامة والخاصة، فإن المشكلة تكمن في خضوع جميع النزاعات بين المريض والطبيب للتحقيق الجنائي وفقًا لقانون العقوبات رقم 58 لسنة لسنة 1937 (والمعدل بالقانون رقم 95 عام 2003)، في حين أنه ينبغي أن يقتصر اللجوء إليه عند حالات الإهمال الجسيم المتعمد.

يضر الإفراط في استخدام القانون الجنائي في النزاعات الطبية الذي يشمل جميع الحوادث الطبية ومنها الاعتداءات وسوء الممارسة بحقوق الطبيب وإحساسه بالأمان وقدرته على توفير الرعاية للمرضى. ويفاقم الأزمة غياب التشريعات والسياسات الطبية التي تأخذ في الاعتبار أوضاع الأطباء داخل المستشفيات كونها العوامل المحفزة لظاهرة العنف وحدوث الأخطاء المهنية كذلك.

ليست مشاجرة عادية: إغفال الأسباب الهيكلية وراء العنف

تقع 76.6% من حوادث العنف ضد العمالة الطبية أثناء المناوبات الليلية، وأشار مسح عن غرف الطوارئ في مصر إلى أن السبب الأول في تفشي العنف فيها يعود إلى سوء التجهيزات الطبية. ويتمثل السبب الثاني في الازدحام الناتج من انخفاض عدد الأطقم الطبية، وزيادة عدد المرضى في أقسام الطوارئ. 

 

وتواجه مصر أزمة نقص في أعداد الأطقم الطبية في المستشفيات العامة وفي أقسام الطوارئ خاصةً بسبب تردي أوضاع العمل التي تؤدي إلى الاستقالة والهجرة. أعلنت النقابة أن معدل الأطباء في مصر لعام 2021 كان 9.2 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بعيدًا جدًّا عن المتوسط العالمي وهو 23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن.

فبجانب ظروف العمل القاسية في المستشفيات العامة، يعد تدني أجور الأطباء من أهم أسباب أزمة النظام الصحي، وخاصة أطباء الامتياز وهم حائط المواجهة الأول في أقسام الاستقبال والطوارئ، حيث تبلغ مرتباتهم 2800 جنيه شهريًّا في حين يتقاضى الطبيب المقيم 7 آلاف جنيه بعد ارتفاع الحد الأدنى للأجور إلى 6 آلاف في مارس 2024. ومع تزايد الضغوط على الأطباء فى المستشفيات الحكومية، شهد عام 2022 استقالة أكثر من 4300 طبيب مصري.

ترتبط أزمة الأطباء كذلك بتراجع الدولة عن الإنفاق الكافي على النظام الصحي، ففي حين ألزمت المادة رقم (18) من الدستور المصرى الدولة بتخصيص نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الحكومي على الصحة، فإن الحكومة لم تلتزم بذلك حيث بلغ نصيب قطاع الصحة فى موازنة العام المالى 2024/2023 نحو 1.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

تحسين مناخ العمل الصحي يقلل الاحتقان: كوبا مثالًا

يتميز القطاع الصحي الكوبي بقرب العلاقة بين الأطباء والمرضى، حيث يتعامل كل مريض مع طبيب أسرة مختص للأمور الاعتيادية وفي حالات الطوارئ يتم توجيه المرضى لوحدات صحية بأطباء متخصصين، الأمر الذي يجعل من غير المرجح وصول المريض لغرفة الطوارئ إلا في الحالات الحرجة جدًّا.

ساعد ذلك النظام في تقليل الضغط على أقسام الاستقبال بالمستشفيات عبر تطوير نظام "خط الطوارئ الأول" والذي يتم من خلاله فحص وإحالة المرضى إلى طبيب الأسرة الخاص بهم قبل تقديم مستويات أعلى من الرعاية في المستشفيات لمن يحتاجها. كما يعتمد النظام الكوبي على الزيارات الدورية للأطباء والمتابعات المجانية من أجل تجنب تردي صحة المواطنين وبالتالي زيادة احتمالية احتياجهم لتدخلات مكلفة وطارئة.

تفعيل تشريعات الرعاية الصحية للأسرة

أخذت مصر بالفعل خطوات أولية لتطوير نظام الوحدة الصحية الذي يقترب قليلًا من نموذج طبيب الأسرة الذي يخفف الحمل عن غرف الطواريء، لكن تتركز المشكلة في عدم استقرار الأطباء في الوحدات الصحية التابعة للقطاع العام بسبب ظروف العمل. لذا يجب تحسين مستويات الدخول وظروف الشغل للعاملين في قطاع الرعاية الصحية للحد من ظاهرة هجرة العقول، بالإضافة إلى ضرورة زيادة الإنفاق الحكومي على الصحة من أجل زيادة أعداد المستشفيات والوحدات الصحية العامة المجهزة.

كما يساعد قانون التأمين الصحى الشامل الذي يتبع نهج صحة الأسرة على تحسين العلاقة بين الطبيب والمريض، وتسهيل الوصول إلى الرعاية الجيدة وتخفيف الضغط عن غرف الطوارئ، لذا يجب على الدولة الإسراع بتطبيقه على المحافظات كافة.

وأخيرًا لا بد على الحكومة أن تحسن مناخ العمل الصحي من خلال إصدار قانون المسؤولية الطبية والأخذ في الاعتبار ظروف عمل الطبيب في خضم المساءلات القانونية التي يتعرض لها. 


للاشتراك في موجز "عدسة" الأسبوعي

"عدسة" موجز أسبوعي من "حلول للسياسات البديلة"، يقدم تحليلًا سريعًا لأهم الأخبار والتطورات المتعلقة بالسياسات المحلية والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية العادلة.