حلول للسياسات البديلة | ماذا تخبرنا التجربة الدولية عن حماية الطبقة العاملة من تداعيات كورونا الاقتصادية؟

ماذا تخبرنا التجربة الدولية عن حماية الطبقة العاملة من تداعيات كورونا الاقتصادية؟

  • ٩ أبريل، ٢٠٢٠

محمد جاد

صحفي عمل في مجال الكتابة عن الاقتصاد المصري منذ 2004 في صحف ومواقع مصرية ودولية، وله أبحاث منشورة مع دور نشر ومنظمات حقوقية مصرية. 

فقد الكثير من العاملين مصادر دخلها الرئيسية بسبب البطالة الناتجة عن  إجراءات مكافحة وباء كوفيد-19 (فيروس كورونا). أدى ذلك بالتبعية للحد من قدرتهم على الاستهلاك، ومن ثم إنتاج الركود الذي يدفع شركات أخرى للتقليص من وظائف جديدة. وهكذا يدخل الاقتصاد في دائرة لا تنتهي من البطالة المتفاقمة.

في مواجهة هذه المشكلة، تبنت الكثير من البلدان خططًا عاجلة استهدفت مساندة الفئات المتضررة اقتصاديًا من هذا الوباء، والحفاظ على قدرتهم الاستهلاكية، للحد من سقوط الاقتصاد في الركود

على سبيل المثال تعهدت الحكومة الدنماركية، لفترة مؤقتة، بتغطية 75% من رواتب العاملين في الشركات الخاصة (بحد أقصى ما يساوي نحو 3,300 دولار شهريًا) طالما التزمت الشركات بعدم تسريح عمالها. وبالنسبة للعاملين بالساعة الذين تم الاستغناء عنهم، تعهدت الحكومة بتحمل 90% من أجورهم (بحد أقصى ما يساوي نحو 3,800 دولار في الشهر) (Boesen, 2020).

وتبنت السويد سياسة أخرى مؤقتة لدعم الأجور، حيث سمحت الدولة للمُشغلين بتقليل عدد ساعات عامليهم بنسبة 40%، على أن تدعمهم الدولة  بسداد 90% من الأجور (The Local, 2020).

وفي المنطقة العربية، أعلنت المملكة السعودية مؤخرًا عن لحاقها بركب سياسات دعم الأجور، حيث تتحمل الدولة 60% من أجور العاملين في المنشآت الخاصة لمدة 3 أشهر، تشجيعًا للشركات على إبقاء العمالة. (Economyplusme, 2020).

وتمنح الولايات المتحدة قروضًا مُعفى من سدادها [Fully forgiven] بشرط توجيهها لنفقات مثل تغطية الأجور، وذلك لمساعدة الكيانات الصغيرة على الحفاظ على الوظائف أثناء الظروف العصيبة (U.S. Department of the Treasury). وتقدم كذلك قروضًا ميسرة للكيانات متوسطة الحجم لتغطية النفقات الجارية بشرط الحفاظ على 90% من القوى العاملة على الأقل.

 إنفاق سخي على العاطلين

وقدمت الولايات المتحدة صورة أخرى للدعم بالاعتماد على السياسات المالية، عن طريق زيادة الإنفاق على تعويضات البطالة، بهدف توفير دخل مؤقت لكل عامل في الفترة الانتقالية بين وظيفة وأخرى، يتناسب مع مستوى دخله الأخير. وبموجب تلك السياسة سيتم زيادة تعويض البطالة 600 دولار للأسبوع لمدة 4 أشهر.

في تشيلي، وسّعت الحكومة نطاق تأمين البطالة ليشمل غير القادرين على العمل من المنزل. وخصصت منحًا للفئات المحرومة من العمل في القطاع الرسمي، ويصل عددها إلى 2 مليون عامل (Reuters, 2020). ووجهت كذلك تمويلات ضخمة -بالنظر لحجم اقتصادها- لمواجهة آثار فيروس كورونا، رغم ارتفاع مستويات العجز المالي المتوقعة لهذا العام (Thomson & Fuentes, 2020). وبلغت مخصصات الإجراءات الاستثنائية ما يعادل 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

ماذا عن مصر؟

كان رد فعل الحكومة المصرية إزاء التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا سريعًا وإيجابيًا للغاية. واعتمدت الدولة على أدواتها المالية والنقدية بشكل كبير لتخفيف الأعباء، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تحول دون وجود رؤية اجتماعية متكاملة لمواجهة تداعيات الوباء.

على صعيد السياسات النقدية بادر البنك المركزي بخفض سريع للفائدة، بنسبة 3%، كسياسة تنشيطية عاجلة، تقلل من إمكانية الركود الناتجة عن الوباء (البنك المركزي، 2020)، مع توجيه البنوك الحكومية لطرح شهادات استثمار بعائد مرتفع يصل إلى 15%.

كذلك توسع البنك المركزي في دعم القروض للأنشطة التي تمثل أهمية كبيرة للاقتصاد. واتبع البنك هذه السياسة قبل أزمة الوباء بسنوات لتنشيط عمليات الإقراض لفئات لا تستطيع الوصول للتمويل بسهولة، مثل المشروعات الصغيرة، أو لقطاع التمويل العقاري، في ظل ارتفاع تكاليف الوحدات على المستهلكين، أو لقطاع السياحة الذي كان يخرج لتوه من تباطؤ طويل. وجاءت إجراءات المركزي إبان انتشار فيروس كورونا كامتداد لهذه السياسات؛ فقد خفّض الشهر الماضي العائد على القروض الموجهة للفئات المستفيدة من مبادرات سابقة  لتمويل القطاع الخاص الصناعي والتمويل العقاري وتمويل دعم وتجديد الفنادق من 10 إلى 8% (البنك المركزي (ب)، 2020).

هذا بالإضافة إلى إطلاق مبادرة لتيسير التسوية مع الأفراد غير المنتظمين في سداد قروضهم الشخصية، بشرط أن يكون حجم مديونياتهم أقل من مليون جنيه (البنك المركزي (ج)، 2020). وأخرى لتأجيل سداد الأفراد والشركات لأقساط القروض لمدة 6 أشهر. ويُقدّر أن يستفيد من تلك السياسة أكثر من 4 ملايين فرد (وكالة أنباء الشرق الأوسط، 2020). إلى جانب مبادرة مقتصرة على العاملين في السياحة، لتوفير تمويل مُيسَّر للأجور. 

وعلى صعيد السياسات المالية، أقرت الدولة زيادات استثنائية في أجور العاملين لديها (جاد، 2020)، بالإضافة إلى زيادة معاشات هذا العام بنسبة 14% (جمال وجابر، 2020)، وتوسيع قاعدة المستفيدين من معاشات تكافل وكرامة. وطرحت وزارة المالية رفع حد الإعفاء من ضرائب الدخل، بجانب مشروع قانون يسمح بإسقاط الضريبة العقارية كليًا أو جزئيًا، مع ربط ذلك بالحفاظ على العمالة في المنشآت.

ولكن تظل السياسات النقدية قاصرة عن تخفيف المعاناة عن القطاع  الأكبر من المواطنين نظرًا إلى أن نسبة من لديهم حسابات بنكية لا تتعدى 15% من السكان في بعض التقديرات (Nabil, 2019). 

دعم القروض مع تخفيض الفائدة هي مبادرة إيجابية، خاصةً بعد استمرار ارتفاع الفائدة منذ عام 2016 بسبب الآثار التضخمية للإجراءات التي طبقتها الحكومة، والمعروفة بـ "الإصلاح الاقتصادي ". لكن حالة الشلل التي فرضتها تداعيات انتشار فيروس كورونا قد تحد من قدرة القطاع الخاص على العمل بشكل طبيعي والاستفادة من تلك المبادرات.

وبالرغم من أن القطاع السياحي يتمتع، بموجب الإجراءات الأخيرة، بميزة توفير التمويل لسداد أجور العاملين، تواجه الشركات صعوبات في الوصول لهذا التمويل، وفقًا لاتحاد الغرف السياحية (عفيفي، 2020).

ويعد الإبقاء على وظائف العاملين بالسياحة مسألة مهمة، خاصةً بعد التباطؤ الطويل الذي دخلت فيه السياحة منذ عام 2011 مع الاضطرابات السياسية والإرهاب. الأمر الذي  دفع قطاع السياحة إلى التخلي عن العمالة الماهرة. وكان من الصعب الحصول على هذه العمالة مجددًا مع عودة السياحة للنمو قبيل أزمة وباء كورونا. ومع غلق الشواطيء ضمن إجراءات مكافحة انتشار الفيروس الجديد، يتعرض القطاع السياحي لتهديد فقد العمالة الماهرة مرة أخرى.

ولا تتوفر لدينا معلومات عن عمليات التسريح التي تعرضت لها عمالة القطاع الخاص خلال الفترة الماضية، لكن المؤكد أن هناك حالات كثيرة كما يظهر من تقارير صحفية عدة، خاصةً مع ارتفاع أعداد العاملين بشكل غير رسمي والمحرومين من أي شكل للحماية. فنسبة العاملين بأجر، المتمتعين بالتأمين الاجتماعي 45.5% فقط من السكان (البنك المركزي، 2019).

حاولت الدولة تعويض الفئة الأكثر هشاشة من العاملين، وهم العمالة غير المنتظمة، من خلال إعلان وزارة القوى العاملة عن منحة قيمتها 500 جنيه، وإن كانت لم توضح حدود تغطيتها. وبدأت الحكومة مؤخرًا في تلقي طلبات الحصول على المنحة (وزارة القوى العاملة)، وقال رئيس الجمهورية في بيان إن العمالة غير المنتظمة  ستحصل على هذا المبلغ لمدة 3 أشهر، بجانب حصول العمالة المنتظمة على مساندة من صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة. ولم يوضح البيان حدود القدرة المالية لهذا الصندوق على مساندة القاعدة الواسعة من العمالة المنتظمة بالقطاع الخاص. ولكن تصريحات سابقة لوزير القوى العاملة ركزت على دعم عمال السياحة (علي، 2020). كما أن الدولة لم توضح المعايير التي حددت على أساسها مبلغ الـ500 جنيه، وهل يكفي لمنع هذه الفئة من السقوط في الفقر؟ مع الأخذ في الاعتبار أن هذا المبلغ يساوي تقريبًا حد الفقر المدقع، أي أنه يكفي بالكاد لتغطية الاحتياجات الأساسية لفرد واحد.

هذا بالإضافة إلى أنه من غير المسموح للفئة المؤمن عليها الحصول على إعانة البطالة، بالرغم من ذكرها في قانون التأمينات رقم 79  لسنة 1975، إلا أنها لا تطبق عمليًا.
وحتى الآن، لم تُنشر معلومات عن إعانة البطالة في ظل القانون الجديد (148 لسنة 2019)، الذي بدأ تطبيقه في يناير الماضي.

بم تخبرنا التجربة الدولية؟

بنظرة عامة نجد أن سياسات البلدان المتقدمة ركزت على احتواء أزمة الوباء، إما عن طريق دعم القطاع الخاص للإبقاء على العمالة مع التوقف عن العمل، أو حماية العاملين عبر سياسات الدعم النقدي وتأمين البطالة.  

من جانبها ركزت مصر على حزمة من الزيادات في أجور العمالة الحكومية، مع محاولة تقديم أشكال من الدعم لعمالة القطاع الخاص. ولكن لم يتضح بعد مدى اتساع تغطية أو ملائمة هذا الدعم في مواجهة الضغوط المعيشية الراهنة.

ويجب أن تولي مصر اهتمامًت بعمالة القطاع الخاص، سواء بتوسيع نطاق السياسات النقدية مثل مبادرة البنك المركزي لتمويل أجور القطاع الخاص بشكل ميسر، أو عبر السياسات المالية، خاصة من خلال تطبيق تأمين البطالة وتوفير التمويل اللازم للتوسع فيه بما يتناسب مع حجم الأزمة الحالية. 

ومن المهم إعادة النظر في سياسات الدعم النقدي القائمة، تحديدًا معاشات برنامج "تكافل" التي تمثل مكملًا للدخل يمكن أن تحصل عليه الأسر العاملة المتضررة من الأزمة.

نحتاج لحوار مجتمعي حول قيمة هذه المعاشات المالية ومدى ملائمتها للضغوط التي استحدثتها ظروف الوباء، وكذلك شروط الحصول عليها وإمكانية توسيع نطاق الانضمام لها. 

هناك حاجة كذلك للاهتمام بالعمالة غير الرسمية على وجه التحديد. فقد ركزت مبادرات الدول النامية، مثل البرازيل وبنما، على تقديم التحويلات النقدية للعاملين بالقطاع غير الرسمي، ضمن الإجراءات العاجلة لمواجهة تداعيات الوباء (IMF).
وطرحت مصر خطوات أولية في هذا المجال نترقب مدى فاعليتها وسرعة تطورها. وربما تكون تداعيات انتشار كوفيد-19 فرصة لبناء قاعدة بيانات مصرية عن العمالة غير الرسمية ودمجها في منظومة التأمينات الجديدة التي شرعها قانون التأمينات لسنة 2019. 

وأخيرًا، يجب مراجعة سياستنا الضريبية لتوفير التمويل لمنظومة السياسات الاجتماعية. ومن المبادرات الجيدة للحكومة المصرية رفع الحد الأقصى للضريبة على الدخل (على الشرائح العليا من الدخل) من 22.5% إلى 25% بالنسبة للأشخاص الطبيعيين. ولكن نحتاج لمعرفة الأثر المالي لهذا الإجراء، ودراسة البدائل المتاحة سواء بزيادة سعر الضريبة بشكل أكبر أو التوسع في ضرائب الثروة لتوفير الموارد للسياسات الاجتماعية المطلوبة في هذه الظروف الحرجة.


المراجع

الآراء ووجهات النظر المقدمة من الكتاب خاصة بهم ولا تعكس آراء ومواقف الجامعة الأمريكية بالقاهرة أو مشروع حلول للسياسات البديلة