تعتبر مصر أكبر دولة في شمال أفريقيا والعالم العربي من حيث عدد السكان، حيث يصل إلى 99 مليون نسمة في 2019. وعلى الرغم من أنه تم تصنيف مصر على إنها دولة متوسطة الدخل، فإنها تواجه مجموعة من التحديات الإنمائية التي طال أمدها. ولقد أظهرت المسوحات الأخيرة أن فقر الدخل قد بلغ 32.5% في 2018، مما جعل 32 مليون نسمة تحت خط فقر الدخل الوطني.

ارتفاع معدلات اللارسمية في البلدان النامية يعني وجود العديد من العمال غير مشمولين بالتأمين ضد المخاطر الكبيرة، مثل البطالة والمرض والفقر في سن الشيخوخة. ولا تقتصر العمالة غير الرسمية على الفقراء فحسب، بل يشمل أيضًا العمال ذوي المهارات العالية في العمل الحر غير المصرح به والعمل غير الرسمي بأجر. وعلى الرغم من وجود بعض الحركة في سوق العمل، فإن حوالي نصف العاملين بأجر يعملون في وظائف غير رسمية في ظروف عمل سيئة.

يحلل هذا المقال ظروف العمل في مصر، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للعاملين غير الرسميين الذين يفتقرون إلى عقود العمل المكتوبة وأيضاً غير مشمولين بالتأمين الاجتماعي (World Bank, 2014). وتوضح هذه المقالة احتياجات العمال الأكثر احتياجاً وترى أن معالجة هذه الاحتياجات سوف تسهم بشكل فعال في الحد من الفقر في مصر. كما أنه يبحث تغطية التأمين الاجتماعي من منظور عدم المساواة في الفرص من خلال استخدام مؤشر الفرص البشرية (HOI) لقياس عدم المساواة بين العاملين بأجور الذين ليس لديهم عقود، (Vélez, et al., 2012). ويعتمد التحليل على بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك الخاص بالأسر المعيشية (HIECS 2018) الذي تم إجراؤه على الصعيد الوطني من قبل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2019). ويتم استخدام "الفقر النقدي" لقياس الفقر، حيث تعتبر الأسر المعيشية فقيرة إذا لم تكن قادرة على تحمل تكاليف الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية (وبالتالي تصبح تحت خط الفقر).

تحليل

سوء ظروف العاملين

تعتبر معالجة اللارسمية في مصر عنصراً حيوياً لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تؤدي سياسات الحماية الاجتماعية السليمة إلى مستوى أقل من الفقر ومستوى أقل من عدم المساواة. كما أن سياسات الحماية تمكن الأسر من التعافي بسرعة من الأزمات من خلال مساعدتها على سد احتياجاتها الاستهلاكية ، فضلاً عن تعزيز قدرتها على مواجهة الصدمات.

تصل نسبة الأشخاص العاملين بأجر في مصر إلى حوالي 69% من العمالة (تقريباً 76% في المناطق الحضرية و63% في المناطق الريفية). إضافة إلى ذلك، فإن 80% من العاملين في المحافظات الحضرية من العاملين بأجر مقارنة بـ 62% فقط في المناطق الريفية في صعيد مصر. وتفتقر أغلبية العمالة المأجورة إلى الحماية القانونية والأمن الوظيفي، حيث إن 60% تقريباً لا تمتلك عقود عمل دائمة (55% ليس لديهم عقود عمل على الإطلاق و5% يعملون بعقود مؤقتة). ومن الأرجح أن يعمل العمال في المناطق الريفية بدون عقد عمل مقارنة بأولئك في المناطق الحضرية (61% مقابل 48%). وعلاوة على ذلك، فإن قرابة 74% من العاملين بأجر من الفقراء ليس لديهم عقوداً مكتوبة، مقارنة بـ64% فقط من العمال غير الفقراء.

تغطية التأمين الاجتماعي

إن إنشاء نظام تأمين اجتماعي قابل للتطبيق هو خط الدفاع الأول ضد صدمات وتقلبات الدخل. وتتمثل المشكلة في أن العمال الذين ليس لديهم عقود عمل أو الذين يعملون بموجب عقود مؤقتة لا يستفيدون من التأمين الاجتماعي وبالتالي فهم غير محميين.

وتظهر نتائج البحث أن 56% من العاملين بأجر غير مشمولين بالتأمين الاجتماعي وبالتالي فإنهم معرضين لخطر الوقوع في الفقر مع أي صدمة اقتصادية. علاوة على ذلك، تبلغ نسبة العاملين بأجر من الفقراء المشمولين بالتأمين الاجتماعي 26% فقط، مقارنة بـ 52% من العمال غير الفقراء.أيضاً، تقل احتمالية تغطية العاملين بأجر بالتأمين الاجتماعي في المناطق الريفية مقارنة بالعاملين في المناطق الحضرية. إضافة إلى هذا، فإن العاملين بأجر المتعلمين أكثر أحتمالاً أن يكونوا مشمولين بالتأمين الاجتماعي عن غيرهم من العاملين؛ حيث إن 73% من العاملين بأجر الحاصلين على تعليم جامعي مشمولين بالتأمين الاجتماعي مقارنة بـ 15 في المائة فقط من العمال الأميين. وكما هو متوقع، فإن 77 في المائة من العاملين بأجر في القطاع الخاص و94 في المائة من العاملين خارج المنشآت غير مشمولين بالتأمين الاجتماعي.

الأشخاص العاملون في القطاع غير الرسمي

يعمل ما يقارب من 53% من العاملين بأجر في مصر في القطاع غير الرسمي (يتم تعيينهم إما بدون عقود أو بعقود مؤقتة وليسوا مشمولين بالتأمين الاجتماعي).

والعاملين بأجر في القطاع غير الرسمي هم أكثر أحتمالاً أن يكونوا فقراء حيث إنهم، وفي غياب التأمين الاجتماعي، أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية بسبب ارتفاع الأسعار أو بسبب أزمات اجتماعية. ويعتبر ما يقارب من 72% من العاملين بأجر من الفقراء يعملون في القطاع غير الرسمي مقارنة بـ 45% من العمال غير الفقراء. علاوة على ذلك، فإن العمال بأجر ذوي المستويات التعليمية المنخفضة هم أكثر عرضة للعمل في القطاع غير الرسمي: 83% من العاملين بأجر الأميين مقارنة بـ 22% فقط من العاملين الحاصلين على تعليم جامعي.

اللامساواة في الفرص

يستلزم تكافؤ الفرص توفير نفس الفرص في العمل والأجر والترقية للعمال كافة دون تمييز على أساس النوع الاجتماعي أو منطقة الولادة أو حالة الفقر أو التعليم، إلخ. ويتم هنا استخدام مؤشر الفرص البشرية لقياس عدم المساواة بين العاملين بأجر الذين ليس لديهم عقد عمل بسبب ظروف خارجة عن ارادة الفرد (مثل النوع الاجتماعي أو السن أو السكن الجغرافي) (Armanious et al, 2015). وبالتالي، فإنه يعتبر أداة مهمة للمساعدة في تصميم برامج السياسات العامة التي تضمن تكافؤ الفرص.

ويأخذ مؤشر الفرص البشرية في الاعتبار متوسط تغطية التأمين الاجتماعي للعاملين بأجر وعدم المساواة في توزيعه. وترتبط الزيادة في المؤشر إما بزيادة التغطية أو بتوزيع أكثر إنصافاً للتغطية (Paes de Barros et al, 2009).

تكافؤ فرص التأمين الاجتماعي

على الرغم من أن بعض العاملين بأجر الذين ليس لديهم عقود عمل يشاركون في نظام التأمين الاجتماعي القائم على الاشتراكات، فإن هذه الفرصة غير موزعة توزيعاً متساوياً. فبشكل عام، 10.7% من العاملين بأجر الذين ليس لديهم عقد عمل دائم أو الذين لديهم عقد عمل مؤقت هم مشمولين بالتأمين الاجتماعي. غير أن درجة مؤشر الفرص البشرية التي بلغت 7.6 نقاط تعني أن 7.6% فقط من فرص تغطية التأمين الاجتماعي تعتبر متاحة وموزعة بإنصاف بين العاملين ذوو الخصائص المختلفة، بينما 3.1% من الفرص غير موزعة بإنصاف بين جميع العمال المؤهلين.

وفيما يتعلق بالتفاوت بين المناطق الحضرية والريفية، يبين الشكل (1) أن 14.1% من العاملين بأجر الذين ليس لديهم عقد عمل مكتوب في المناطق الحضرية لديهم إمكانية الحصول على فرص تغطية التأمين الاجتماعي. ووصل مؤشر الفرص البشرية في المناطق الحضرية إلى 10.8 نقاط، مما يعني أن 10.8% فقط من فرص تغطية التأمين الاجتماعي المتاحة في المناطق الحضرية موزعة توزيعاً منصفاً بين العاملين بدون عقد عمل مكتوب بغض النظر عن خصائصهم، بينما 3.3% غير موزعة بشكل منصف. وتمت ملاحظة نفس النتائج في المناطق الريفية على الرغم من أن إمكانية الحصول على تغطية التأمين الاجتماعي هي أقل بكثير من تلك في المناطق الحضرية.

ويصنف العمودان الأخيران في جدول (1) الفرق الإجمالي لمؤشر الفرص البشرية بين المناطق الحضرية والريفية إلي إمكانية الوصول إلى فرصة تغطية التأمين الاجتماعي والتساوي في تلك الفرص بين جميع العمال المؤهلين، (Singh, 2011). ويبين الجدول أن أثر التغطية بالنسبة لفرص الاشتراك في برنامج التأمين الاجتماعي وصل إلى 79% في حين يمثل أثر خصائص العمال المختلفة على إمكانية الوصول للفرص 21%. وهذا يدل على أن المشاركة في نظام التأمين الاجتماعي تعتمد إلى حد كبير على خصائص العاملين بأجر، حتى وإن كان كل العاملين بأجر الذين ليس لديهم عقود عمل مؤهلين لبرامج التأمين الاجتماعي.

العوامل التي تفسر عدم التساوي في فرص تغطية التأمين الاجتماعي

يعد المستوى التعليمي للعاملين بأجر الذين ليس لديهم عقود عمل هو العامل الرئيسي الذي يحدد تغطية التأمين الاجتماعي غير العادلة، كما هو واضح من خلال تحليل المساهمات النسبية لخصائص العمال المختلفة في عدم المساواة في فرص تغطية التأمين الاجتماعي بشكل عام. تشير البيانات أن مستوى تعليم العمال هو أهم مصدر لعدم المساواة في تغطية التأمين الاجتماعي، والذي يفسر 39% من عدم المساواة. وفيما يتعلق بالتفاوت بين المناطق الحضرية والريفية، تبين الأرقام أن للتعليم أثر أكبر على عدم المساواة بشكل عام في المناطق الحضرية مقارنة بالمناطق الريفية (48% مقابل 32%). وعلى صعيد آخر، يكون لعمر العامل أثر أكبر على الاشتراك في التأمين الاجتماعي في المناطق الريفية مقارنة بالمناطق الحضرية، حيث إنه يسهم في 40% من عدم المساواة في المناطق الريفية مقارنة بـ31% في المناطق الحضرية. كما تمثل حالة الفقر الخاصة بالعمال عاملاً رئيسياً لعدم المساواة في المناطق الريفية – ما يقارب من 23% مقارنة بـ 14% في المناطق الحضرية.

التوصيات الخاصة بالسياسة العامة

يعتبر التمويل أحد الأوجه الرئيسية لأي نظام للتأمين الاجتماعي. فبالإضافة إلى الاشتراكات الفردية واشتراكات أصحاب العمل، يمكن أن تولد الإيرادات الحكومية العامة والضرائب المخصصة موارد عامة كافية لتمويل برامج الحماية الاجتماعية. ففي تشيلي على سبيل المثال، يتم تمويل نظام المعاشات التقاعدية بالكامل من خلال اشتراكات العمال، غير أن الحكومة تمول معاش التضامن للأشخاص الذين لم يدفعوا الاشتراكات ومعاش تكميلي للأشخاص الذين تقل اشتراكاتهم عن عتبة محددة (Winkler et al., 2017).

وبالإمكان اتخاذ تدابير مؤقتة للتخفيف من أوضاع العمال الذين يعملون في القطاع غير الرسمي إلى حين وضع برنامج جديد لتأمين هؤلاء العمال:

تشجيع المنشآت غير الرسمية الكبيرة على تنظيم أوضاعها من خلال زيادة فوائد الحصول على الصفة الرسمية، من خلال تقديم إعفاءات ضريبية وخفض اشتراكات أصحاب العمل في التأمين الاجتماعي. وهذا من شأنه خفض تكلفة إضفاء الطابع الرسمي على العمال وأيضاً تقليص التكاليف التي تتحملها الشركات عند توظيف عمال نظاميين.
توسيع نطاق المعاشات التقاعدية لتشمل العمالة غير الرسمية من خلال سبل أخرى: العضوية في النقابات العمالية أو المنظمات غير الحكومية أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
تعزيز قدرات الفقراء ومستواهم التعليمي ومهاراتهم. ولما كان التعليم أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على تغطية التأمين الاجتماعي، فسيكون من شأن هذا تحسين ظروف العمل. ويتطلب هذا الأمر معالجة جانبي العرض والطلب على التعليم. من السهل الوصول إلى المدارس الحكومية على نطاق واسع مقابل رسوم زهيدة أو بدون رسوم، وهذا أمر ضروري لضمان أن تتاح لكل طفل فرصة الذهاب إلى المدرسة. ومن الجانب الآخر، يجب تحسين جودة التعليم لتحقيق عائد أعلى.

إدماج جميع برامج الحماية الاجتماعية (لتشمل العمالة غير الرسمية) وتجميعها في نظام واحد للمستفيدين. هذا جزء لا يتجزأ من خلق وظائف لائقة كافية (بعقود عمل مكتوبة) التي تضمن مستويات دخل مناسبة.

المراجع

Armanious, D., & Kalliny, M. (2015). Inequality of opportunities in food security among Egyptian households, 2011. The Egyptian Population and Family Planning Review, 48(1).
Central Agency for Public Mobilization and Statistics. (2019). Key indicators from the income, expenditure, and consumption survey 2017/18 [Ahamm al-Mu’ashshirat Bahth al-Dakhl wa-l-Infaq wa-l-Istihlalk]. [In Arabic].
Paes de Barros, R., Ferreira, F. H. G., Vega, J. R. M., & Chanduvi, J.S. (2009). Measuring inequality of opportunities in Latin America and the Caribbean. World Bank.
Singh, A. (2011). Inequality of opportunity in Indian children: The case of immunization and nutrition. Population Research and Policy Review, 30(6), 861–883.
Vélez, E. C., Al-Shawarby, S., & El-Laithy, H. (2012). Equality of opportunity for children in Egypt, 2000–2009: Achievements and challenges (Policy Research Working Paper No. 6159). World Bank.
Winkler, H., Bulmer, E. R., & Mote, H. (2017). Expanding social insurance coverage to informal workers (Jobs Working Paper No. 6). World Bank.
World Bank. (2014). More jobs, better jobs: A priority for Egypt (Report No. 88447-EG).

Read Also