- ٢٩ ديسمبر، ٢٠٢٠
باحثة ماجستير في إدارة الأعمال قسم التسويق بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وباحثة في قضايا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من منظور النوع الاجتماعي. لديها العديد من المقالات والأبحاث المنشورة في إصدارات مصرية وعربية. تعمل استشارية في العديد من الهيئات الدولية td القضايا العمالية والتمكين الاقتصادي للنساء في القطاعين المنتظم وغير المنتظم والمسؤولية الاجتماعية للشركات من منظور النوع الاجتماعي.
"متى ينكسر الإطار؟" وتخرج النساء من الإطار النمطي الذي يلاحقهم في المنزل والعمل، ويؤدي إلى تقسيم غير عادل للأدوار بين الرجال والنساء، ويختزل أدوار النساء في أعمال الرعاية، ما يترتب عليه عدم المساواة بين الجنسين في الحصول على الحقوق ولا سيما التعليم والعمل. هذا ما سوف نركز عليه في هذا المقال، خاصة وقد امتدت تداعيات أزمة كورونا لأبعد من الصحة، لتشمل الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وأثيرت مؤخرًا العديد من القضايا بِشأن ظروف العمل ونظام التعليم عن بعد في أطار أزمة فيروس كورونا وما تتحمله النساء من أعباء بهذا الشأن.
يمثل إلقاء أعباء أعمال الرعاية في المنزل على النساء تحدي كبير أمام تمتعهن بكامل حقوقهن بدايةً من عدم تقدير هذا الدور، حيث توصف النساء غير العاملات بأنها "ربة منزل" أي لا تعمل وتجلس في المنزل للاسترخاء والراحة، ويتم النظر لهذه الأعمال بنظرة دونية، في حين يتم إبراز وتعظيم دور الرجل بأنه "رجل البيت" لكونه يعمل خارج المنزل في أعمال منتجة تدر دخل ينفق به على الأسرة. وتظهر نتائج مسح استخدام الوقت[i] أن متوسط عمل النساء داخل المنزل يصل لحوالي 6 ساعات يوميًا مقابل ساعة وأربعين دقيقة للرجال. ويبلغ تقدير قيمة العمل المنزلي غير مدفوع الأجر على مستوى الجمهورية 654 مليار جنيه في السنة لعام 2015، يخص النساء منها 79% بقيمة 517 مليار جنية مقابل 21% للرجال بما قيمته 137 مليار جنيه.
تظهر هذه الأرقام الرسمية أن العمل المنزلي غير مدفوع الأجر مُقدّر وله مردود اقتصادي، وأن حجم إسهام النساء فيه أكبر من الرجال، كما تشير الإحصائيات إلى أن نسبة 33.5% من الأسر تعولها نساء،[ii] أي أن النساء هي المصدر الأساسي للدخل وتتولى إدارة شؤون الأسرة وتتخذ القرارات. ومع ذلك يتم إغفال هذه الحقائق. ويعتبر الاتجاه السائد في المجتمع أن العمل المنزلي لا قيمة له، وأنه لا يستغرق أي وقت، ويترتب على هذه النظرة خلل في علاقات وموازين القوى بين الرجال والنساء لصالح الرجل الذي ينسب له جميع الأدوار والصفات التي تتسم برجاحة العقل والحماية والقدرة على اتخاذ القرار، بينما توصف النساء بالعاطفية والضعف والاحتياج الدائم للوصاية. ويمتد هذا التقسيم غير العادل للأدوار حتى عندما تخرج النساء للعمل، فتتضاعف ساعات العمل التي تقوم بها النساء داخل المنزل وفي العمل.
لا يزال الاتجاه العام في المجتمع يعتبر الدور الأساسي للنساء داخل المنزل، لتقوم بالأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، بينما يقوم الرجل بالعمل المنتج وينفق على الأسرة. ويمتد تأثير هذا التقسيم غير العادل إلى تشكيل هويات النساء والرجال وسماتهم الشخصية التي كرست امتيازات وسلطات الرجل داخل المنزل وأعطت له السلطة العليا في اتخاذ القرار. ويمتد تأثيره كذلك على تقسيم العمل المنتج على أساس النوع؛ فنجد نسبة تواجد النساء في مجالات العمل المرتبطة بطبيعة أدوار الرعاية التي تقوم بها داخل المنزل. وتشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى تركز النساء بكثافة في مجال العمل التي تتشابه مع أدوار الرعاية التي تقوم بها في المنزل. على سبيل المثال، عدد النساء العضوات في نقابة مهنة التمريض 213,088 في مقابل 30,441 من الرجال. وعدد النساء في نقابة المهن الاجتماعية 77,964 مقابل 50,457 رجل. وعلى الجانب الآخر، نرى تواجد كثيف للرجال في نقابة المهن العلمية (82,039) مقابل النساء (49,174). وفي نقابة المهن الهندسية يبلغ عدد الرجال 496,175 بينما يبلغ عدد النساء النساء 113,818.[iii]
بالإضافة لذلك، فإن أغلب الأنشطة الاقتصادية للنساء في مجال العمل غير الرسمي هي بيع الخضروات وصناعة المواد الغذائية ومنتجات الألبان وتربية الماشية والطيور، وهي ذات المجالات الرعائية التي تقوم بها النساء في المنزل، ناهيك عن أن قطاع واسع من النساء -خاصة في الريف- تعتبر هذه الأنشطة الاقتصادية ضمن مهام الأسرة. وبسؤالهن عن العمل المنتج الذي تقمن به في السوق، تكون الإجابة أنها لا تعمل! لأنها تعتبر أن كل ما تقوم به هو ضمن مسؤولياتها وأدوارها المنزلية. تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة النساء العاملات بدون أجر لدى الاسرة 84.2% في مقابل 9.9% من الرجال.[iv] وليس هذا فقط، بل تُستبعد النساء من بعض الوظائف إما بسبب عدم ترحيب أصحاب الأعمال بتشغيل النساء تحت دعوى أن هناك مهن لا تصلح لها، أو هربًا من الالتزام بالضوابط القانونية التي يحددها قانون العمل بشأن منح العاملات إجازات للوضع ورعاية الطفل وساعات الرضاعة وتوفير دور الحضانة.
قامت الحكومة في منتصف مارس الماضي باتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار فيروس كورونا، وكان من بينها منح النساء الحوامل والتي لديها أطفال أقل من 12 سنة إجازة استثنائية لرعاية الأطفال، وقوبل هذا الإجراء بنقد وسخرية من بعض الرجال داخل أماكن العمل، وطالب البعض بأن تكون هذه الإجازات غير مدفوعة الأجر. وترددت العبارات المعتادة القائلة بإن النساء يحصلن على حقوق كثيرة وأنهن أخذن كل حقوقهن وأن الرجال يرغبون بالمساواة مع النساء. وهكذا يبدو التناقض بين تخلي أغلب الرجال عن تحمل مسؤولياتهم في التعاون مع النساء في أعمال الرعاية داخل المنزل، وبين رفضهم الإجراءات التي تمكن النساء من القيام بأدوار الرعاية.
كما اتخذت الحكومة إجراءً بتطبيق نظام الإجازات التبادلية وتم تطبيقه على الرجال والنساء. ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة بصيرة، أكد 53% من العاملين أن مكان عملهم خفض أيام العمل من مكان العمل وسمح لهم بالعمل من المنزل. وترتفع هذه النسبة من 49% بين العاملين في القطاع الخاص إلى 65% بين العاملين في القطاع الحكومي، كما ترتفع النسبة من 50% بين الذكور إلى 68% بين الإناث. وتم سؤال النساء العاملات ولديهن أطفال أقل من 12 سنة عما إذا كان قد سُمح لهن بأخذ إجازة كما ورد في قرار الحكومة، وأجابت 42% منهن بأنه قد سمح لهن بذلك بينما أفادت 58% بعدم السماح لهن بذلك. تُظهر هذه البيانات تأثير الثقافة التنميط التقليدية على النظر لدور الرعاية، وأنه غير مقدر، كما تتحمل النساء مسؤولياته منفردة.
بالإضافة إلى أعمال المنزل المعتادة التي تقوم بها النساء تضاعفت هذه الأعباء مع أزمة فيروس كورونا وزيادة فترات جلوس الأسرة في المنزل، فتحملت النساء أعباء جديدة تتعلق بالتعقيم وتطهير المنزل والمواد الغذائية والإجراءات الاحترازية من أجل سلامة الأسرة. ووفقًا لاستطلاع رأى المركز المصري لبحوث الرأي بعنوان "المرأة وجائحة كوفيد-19"،[v] كانت إجابة 51% من العينة التي اشتملها الاستطلاع أن أعباء المنزل زادت بعد كورونا، كما أفادت إجابات 61% ممن شملتهم العينة بزيادة الوقت الذي أصبحت النساء تقضيه مع الأطفال.
كما أظهر استطلاع الرأي تعرض النساء للعنف الأسري في مختلف الأعمار والتنوع في المستوى التعليمي والجغرافي (ريف – حضر)، وحول تأثير كورونا على تعرض الزوجات للعنف من الزوج فذكرت 11% من الزوجات تعرضهن للعنف من قبل الزوج خلال الأسبوع الذي سبق إجراء استطلاع الرأي، وكانت أشكال العنف ضرب بنسبة 15.3%، وقيام الزوج بركل الزوجة بقوة نسبتها 8.1% وتعرض الزوجة لأهانه لفظية من الزوج نسبتها 83.4%. ومن الأسئلة التي طرحت في استطلاع الراي بسبب كورونا حول المشاكل العائلية والخلافات الزوجية والخلافات بين الأبوين والأولاد وجاءت الإجابات على النحو التالي 33٪ هي نسبة زيادة هذه الخلافات.
ومع تطبيق نظام التعليم الهجين الذي يستخدم شبكات الأنترنت من خلال تقسيم أيام الدراسة بين المدرسة والمنازل، أصبح هناك عدد من الأيام الدراسية يقضيها الأطفال في المنزل، وتتحمل النساء هذا العبء ومتابعت أطفالها من أجل التعامل مع هذا النظام الجديد خاصة وأنه جاء فجأة مع نهاية العام الدراسي الماضي واقتراب الامتحانات، والتي أجريت بطريقة غير تقليدية من خلال أبحاث او استخدام المنصات الإلكترونية لإجراء امتحانات من على بعد. رغم الجهود التي تبذلها الوزارة من أجل توفير البنية التكنولوجية اللازمة لكن ثمة تحديات تواجه الأسر الفقيرة التي يمثل لها الاشتراك في شبكة الأنترنت و التعامل مع المنصات الإلكترونية عبء كبير يمكن ينسحب على قدرة ابنائهم على الاستمرار في الدراسة .
وعلى صعيد آخر وفي المناطق التي تنظر بشكل تقليدي و محافظ للفتيات وأن دورهن الأساسي الزواج، فمع الصعوبات والتحديات التي تواجه هذه الأسر يصبح استمرار الفتيات في التعليم مهدد فضلا عن أن فترات الدراسة من المنزل سوف تحمل هذه الفتيات بأعباء القيام اعمال المنزل، وهو ما يؤدى إلى عدم مساواة في الفرص بين الفتيان والفتيات في التعليم .
بناء على سبق فان تحقيق علاقات عادلة وتقسيم الأدوار بين الرجال والنساء يحقق المساواة في الحصول على والتمتع بجميع الحقوق، فيجب العمل على عدد من الإجراءات على النحو التالي :
[i] مسح استخدام الوقت في جمهورية مصر العربية 2015، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2016.
[ii] المرأة والرجل في مصر 2015، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء –المجلس القومي للمرأة، فبراير 2017.
[iii] النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الاجتماعية عام 2016، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، نوفمبر 2017.
[iv] لمزيد من التفاصيل:
[v] "استطلاع رأي" أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة" بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تم أجراء هذا الاستطلاع خلال الفترة من 4 الى 14 ابريل 2020 و تم جمع بيانات هذا الاستطلاع من خلال مقابلات باستخدام الهاتف وشمل الاستطلاع 1518 من النساء. لمزيد من التفاصيل: الموقع الرسمي للمركز المصري لبحوث الرأي العام http://www.baseera.com.eg/InfoGallery.aspx?ID=38
المراجع
مسح استخدام الوقت في جمهورية مصر العربية 2015 ، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 2016.
المرأة والرجل في مصر 2015، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – المجلس القومي للمرأة، فبراير 2017.
النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الاجتماعية عام 2016، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، نوفمبر.
د/ سلوى العنتري و نفيسة دسوقي، عمل النساء في السوق بدون أجر "العمل لدى الأسرة في الاقتصاد غير الرسمي بمصر" ، مؤسسة المرأة الجديدة.
"استطلاع رأي" أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام " بصيرة" بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة ، أبريل ٢٠٢٠.
الآراء ووجهات النظر المقدمة من الكتاب خاصة بهم ولا تعكس آراء ومواقف الجامعة الأمريكية بالقاهرة أو مشروع حلول للسياسات البديلة