أطلق مشروع حلول للسياسات البديلة هذا الشهر حملة بعنوان النساء والنمو السكاني في مصر، الحملة ركزت على سياسات تنظيم الأسرة في مصر والدور الذي تتحمله المرأة المصرية في سياق هذه السياسات بشكل يحملها عبء النتائج أكثر من غيرها، والأسباب التي تساهم في زيادة معدل الخصوبة، والحلول المقترحة لصنع توازن أكثر فيما يخص المسؤولية عن الإنجاب في الأسر المصرية.

قانون لتنظيم النسل

حاليا مصر بتشهد أول مشروع قانون لتنظيم النسل في البرلمان، اللي تنص بعض بنوده على تقليص الدعم الحكومي حسب عدد الولادات. مسودة القانون تنص على أن الأسرة التي لديها طفلان لها حق الحصول على دعم كامل يشمل مجانية التعليم، والتأمين الصحي، وخدمات التموين، ويتم خفض الدعم بـ 50% في حال إنجاب الطفل الثالث، ومنع الدعم بالكامل بعد إنجاب الطفل الرابع. مشروع القانون، وأيضا تاريخ مصر في التعامل مع حملات تنظيم الأسرة، بيطرح بعض الأسئلة زي ليه أعداد السكان بتزيد في ظل استمرار المبادرات منذ الثمانينات؟ وهل مبادرات تنظيم الأسرة ناجحة أو لا؟

حملات تنظيم الأسرة اغلب الوقت بتلقي العبء على المرأة وكأنها هي لوحدها المسؤولة عن التحكم في عدد الأطفال. وده بيطرح أسئلة حول مدى وقوع العبء على عاتق النساء فقط عندما يتعلق الأمر باختيارهن للحمل أم لا؟ وايه هي التحديات اللي بتؤثر على قرارات الإنجاب ومنع الحمل في مصر؟ وازاي ممكن نصحح مفاهيم خاطئة ونوفر فهماً أدق لهذه القضايا، وايه الطرق الي ممكن من خلالها ندعم المرأة انها تقدر تاخد قرارات تخص حياتها وجسدها من غير ما يكون فيه عوامل خارجة عن إرادتها؟ وازاي ممكن نصيغ سياسات سكانية بتدعم مش بتلوم المرأة وفي نفس الوقت تكون ناجحة أكثر وشمولية أكثر؟

حملات التوعية

“لو رحتي الوحدة الصحية، وسمعتي كلامي يا شلبية كنت يا بنتي فضلتي صبية" ديه إحدى النصائح المقدمة إلى الست شلبية من إعلان تنظيم الأسرة في الثمانينيات، إنه كان أفضل لها تروح الوحدة الصحية لتجنب الإنجاب المفرط اللي كتب عليها الشقا.

الإعلان ليس إلا واحدا من بين العديد من الحملات الإعلانية اللي اعتمدت عليها الحكومة خلال الثمانينات والتسعينات لنشر الوعي بمسألة الزيادة السكانية وأهمية استخدام وسائل منع الحمل، وفي 2018 بدأت الحكومة حملة جديدة اسمها "اثنين كفاية" بتستهدف النساء المستفيدة من برنامج تكافل، وكمان مؤخرا تصريحات رسمية كثير انتشرت عن ربط الإنجاب بحوافز للنساء، زي مثلا أن الدولة تقوم بالاحتفاظ بمدخرات تحصل عليها المرأة التي تلتزم بعدد الأطفال المناسب، وفترات التباعد بين حالات الإنجاب.

المشكلة مش ان الست شلبية رفضت تروح الوحدة الصحية، أو إن النساء رافضين يلتزموا بعدد الأطفال المناسب، جزء من المشكلة إن فيه عوامل كتير بتأثر على قدرة المرأة في اتخاذ قرارات خاصة بجسدها وصحتها وكتير من الأوقات بتكون خارجة عن إرادتها، زي مثلا سنها، وضعها الاجتماعي، تعليمها، بتشتغل ولا لأ، الاختيارات المحدودة لنوعية أساليب منع الحمل أو حتى نوع خدمة الرعاية الصحية المقدمة وجودتها.

معدل الخصوبة في أي اتجاه؟

رغم استقرار معدل الخصوبة (عدد الولادات لكل امرأة) في مصر عام 2018 عند 3.1 مقارنة ب3.5 عام 2014، إلا أن هذا المعدل ما زال دون المأمول المخطط من الحكومة وهو الوصول إلى 2.4، وهذا المعدل المرتفع رغم استقراره مصحوب بانخفاض في معدل انتشار وسائل منع الحمل اللي انخفضت إلى 58.5٪ في 2014، بعدما وصلت لأعلى معدل لها في 2008 وفقا للمسح الديموغرافي والصحي المصري، الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة وعدم توافر وسائل منع الحمل كمان زادت من 11.6٪ في 2008 إلى 12.6٪ في 2014.

عدم انخفاض المعدلات بالشكل المأمول يحدث بالرغم من جهود الحكومة اللي بتقوم بيها، زي حملة اتنين كفاية واعتماد قوانين تحفيزية للأسرة وحملات مجتمعية وإعلامية، لكن مازالت الجهود دي بتستهدف السيدات وتضع عليهم المسؤولية الرئيسة في انهم ينتظموا ويلتزموا في تناول أساليب منع الحمل دون الوضع في الاعتبار أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

مشكلة وقف استخدام وسائل منع الحمل

سيدات كتير بيتوقفوا عن استخدام وسائل منع الحمل بعد فترة من استخدامها، وده اللي بنعرفه باسم معدل وقف استخدام وسائل منع الحمل (نسبة مستخدمي وسائل منع الحمل الذين يتوقفون عن استخدامها في غضون 12 شهراً من الاستخدام؛ بسبب فشل وسائل منع الحمل، أو التخلي عن استخدامها بسبب الرغبة في الحمل، والتخلي عن استخدام الوسائل بسبب مشاكل مادية)

معدل وقف استخدام وسائل منع الحمل ارتفع من أدنى معدل له على الإطلاق 25.9% في عام 2008 إلى 30.1% في عام 2014.

الأسباب الرئيسية لوقف استخدام الأساليب دي متعلق بالآثار الجانبية للأساليب المستخدمة وثاني أكبر سبب هو الرغبة في الحمل مرة أخرى (11٪ و 6٪ على التوالي). فيه دراسات بتشير إلى إن التوقف عن الاستخدام لوحده زاد معدل الخصوبة الكلي (TFR) بمعدل 20٪، وده بيورينا قد ايه ارتفاع نسبة التوقف عن استخدام وسائل الحمل له تأثير ملحوظ على زيادة أعداد المواليد، وإنه لازم يكون تحت السيطرة عن طريق تغيير المفاهيم المغلوطة عن وسائل منع الحمل وأضرارها المزعومة وبعض الوصم المجتمعي المرتبط بها زي مثلا إن الواقي الذكري مش للستات المتزوجة، بالإضافة لتوفير المتابعة والاستشارات.

النساء الفقيرات لديهن أعلى مستويات التوقف عن استخدام وسائل منع الحمل بين عامي 2000 و2014 مقارنة بالفئات الأكثر ثراء مع التحول نحو الرغبة في مزيد من الأطفال، وتشير هذه الفوارق إلى أنه من المتوقع أن يزداد التوقف بين هذه الفئات الضعيفة مع استمرار ارتفاع الخصوبة المرغوبة. بنلاقي إن معدل توقف استخدام وسائل منع الحمل بين السيدات في الخمس الأشد فقرا بيبلغ 33.6٪ بينما النسبة بتكون أقل في الخمس الأغنى من السيدات في مصر بنسبة 24.2٪.

النسبة الأكبر من السيدات الممتنعات عن وسائل منع الحمل بسبب رغبتهم في مزيد من الأطفال كانت من الريفيات والنساء الأفقر، فمثلا 37.7٪ من النساء الريفيات في الصعيد و33.6٪ من السيدات الأكثر فقرا لا يستخدمن وسائل منع الحمل.

وده بيورينا إن فيه فئات من السيدات لها الأولوية في الجهود اللي بتتم لخفض معدل وقف استخدام وسائل منع الحمل ومنها رفع مستوى المعيشة للفئات الأقل دخلا.

أثر الزواج المبكر على نسب المواليد

الزواج المبكر قانونا وحسب الاتفاقيات الدولية لحقوق المرأة والطفل هو الزواج قبل سن 18 عام، وهو يعرض الفتيات القاصرات للخطر اللي يتمثل في التعرض لمجموعة من النتائج الصحية السيئة، وبيكون لديهم عدد أكبر من الأطفال على مدار حياتهم، وبيطلعوا من المدرسة، ويعيشوا في فقر أكثر من أقرانهم اللي بيتزوجوا في أعمار لاحقة.

القليل من التعليم المدرسي أو عدمه يرتبط ارتباطا وثيقا بالزواج في سن صغيرة، وعلى العكس من ذلك، فإن الالتحاق بالمدارس والحصول على مستويات تعليم أعلى يحمي الفتيات من إمكانية الزواج المبكر. في حين تزوج أكثر من نصف النساء الأميات (51%) وأكثر من خمسي النساء اللاتي يمكنهن فقط القراءة والكتابة (45%) قبل سن 18، فإن الرقم المقارن بين النساء ذوات التعليم العالي أقل من 2%.

ووفقا لبحث أجري على ثلاث محافظات من صعيد مصر (سوهاج وأسيوط والمنيا) وثلاث محافظات من الدلتا (الشرقية والبحيرة والإسماعيلية)، فإن سن الزواج المبكر يؤثر على معدل المواليد بمتوسط 3.59 طفل لكل امرأة تزوجت في سن أقل من 18 عاماوالنساء اللائي لم يحصلن على التعليم لديهن 3.51 مولود، في حين أن النساء اللائي حصلن على التعليم المتوسط أو العالي لديهن 2.67 مولود.

تأثير الفقر وظروف العمل

كتير من الأسر الفقيرة تعتمد بشكل كبير على شبكات الأمان الاجتماعي غير الرسمية، المتمثلة في أعضاء الأسرة. حوالي 1.8 مليون طفل يعمل في مصر. هناك حاجة إلى معالجة الافتقار إلى خطط جيدة للحماية الاجتماعية، اللي بيؤدي إلى اعتماد الأسر الفقيرة على إنجاب المزيد من الأطفال، والاعتماد على الأطفال ليكونوا معيلين عند الكبر.

نسب كبيرة من النساء تعمل في القطاع غير الرسمي (41% من إجمالي العمالة وفقا لبيانات البنك الدولي)، في غياب عقود عمل لائقة تضمن تقديم مستوى كاف من التغطية الاجتماعية والصحية (45٪ من الفقراء يعملوا بدون تأمين اجتماعي و74٪ بدون عقود (2018).

يوجد ارتباط خطي سلبي وبارز بين أجور السيدات (في غير قطاع الزراعة) ومعدل الخصوبة العام على مستوى كل بلد في المناطق الرئيسية من العالم. الارتباط الإيجابي بين العمالة الزراعية ومعدل الخصوبة العام وبين الاحتياجات غير الملباة لتنظيم الأسرة يظهر أن الوظائف عالية الجودة مهمة لتقليل معدلات الخصوبة (Behrman & Gonalons-Pons, 2020)

بالرغم من التحسن في مستوى تعليم الإناث في مصر، إلا أن معدلات الخصوبة في مصر في ازدياد، في جزء منها بسبب ندرة الفرص في القطاع العام وهي تاريخيا قطاع رئيسي لتوظيف الإناث. وجدت دراسة أنه من 2.4٪ إلى 28.6٪ من الزيادة في معدل الخصوبة في مصر من 2006 - 2012 يمكن ربطها بقلة فرص العمل في القطاع العام (Krafft, 2020).

العلاقة بين عمالة المرأة وخفض معدلات الخصوبة علاقة لافتة ووثيقة حسب تجارب دول كتير. في السنغال، وجدت دراسة أن زيادة عدد النساء ممن يعملن في غير قطاع الزراعة أدى إلى تأثير خافض للخصوبة، حيث الاستثمارات المتزايدة في قطاع تصدير المحاصيل صنعت فرص عمل للنساء الريفيات. عدد المواليد لكل سيدة انخفض بشكل أكثر حدة في الأماكن اللي زادت فيها عمالة السيدات بشكل أكبر.

على العكس من ده، الدول ذات معدلات الخصوبة الأعلى عندها مستويات أعلى من التشغيل غير الرسمي ونسب أعلى من السيدات في قطاع العمل غير الرسمي.

دول زي البرازيل وجنوب أفريقيا وأوروجواي، واللي استثمرت في خدمات الصحة الإنجابية والحماية الاجتماعية ومؤسسات سوق العمل، حققت نتائج أفضل فيما يتعلق بمشاركة الإناث في القوى العاملة ونسب مشاركتهن في قطاع العمل غير الرسمي هي أقل ما تكون.

بنشوف كمان تأثير الاستثمار في الحماية الاجتماعية على تحسين ظروف عمل المرأة، واللي بتنعكس إيجابا على معدلات الخصوبة، إحدى الدراسات لقت إن كل 1٪ زيادة في نفقات الحماية الاجتماعية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ترتبط بانخفاض قدره 0.4٪ - 0.9٪ من التوظيف غير الآمن للسيدات، وإنه كلما زادت نسبة مشاركة العمال في الاتحادات العمالية بنسبة 10٪، كلما انخفضت نسبة السيدات في الوظائف غير الآمنة بنسبة 1.6٪

خفض معدلات الخصوبة وزيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة محتاج جهود منسقة لتحسين الحماية الاجتماعية والتعليم وخدمات الصحة الإنجابية وتوفير فرص عمل جيدة، بشكل يساعد السيدات يشاركن بشكل أكثر فعالية في تحسين ظروف عائلاتهن وفي الاقتصاد ككل، وفي نفس الوقت يعفيهن من تحمل عبء وجود أطفال أكثر من قدرة الأسرة على الرعاية، العبء اللي بتشيله السيدات بشكل أكبر في معظم الأحيان.