في الحادي والعشرين من مارس&nbsp; الجاري قرر البنك المركزي المصري خفض قيمة العملة المحلية (الجنيه) بنحو 18%، لأعلى سعر سجله الجنيه في البنوك بعد قرار الخفض، الذي جاء بالتزامن مع القرار الصادر عن الاجتماع الاستثنائي للجنة السياسات النقدية للبنك المركزي برفع سعر العائد على الإيداع والإقراض بنسبة 1%، مع طرح شهادات استثمار من خلال بعض البنوك العامة (الأهلي، ومصر) بفائدة شهرية 18% لمدة عام.
حزمة قرارات المركزي التي جاءت بشكل مفاجئ أثارت تساؤلات عديدة حول أسباب خفض الجنيه، وجدوى هذه القرارات&nbsp; وتداعياتها.&nbsp;&nbsp;
<h3>لماذا خفض البنك المركزي سعر صرف الجنيه؟&nbsp;</h3>
تعاني مصر شحًا حادًا في النقد الأجنبي لسببين رئيسيين:&nbsp;
السبب الأول:&nbsp;<a href="https://blogs.worldbank.org/ar/voices/altdkhm-ynhsh-jywb-fqra-alalm?cid=ECR_E_NewsletterWeekly_AR_EXT&amp;deliveryName=DM136951">ارتفاع معدلات</a>&nbsp;التضخم العالمية - لأعلى مستوى لها منذ عام 2008 - وهو الارتفاع الذي&nbsp; أعقب إنهاء سياسة الإغلاقات التي اتبعتها دول عديدة بسبب جائحة كورونا، وكذلك اضطراب سلاسل الامداد.&nbsp;
موجة التضخم العالمية ألقت بظلالها على واردات مصر من مختلف السلع ولكنها كانت أشد وطأة على الغذاء على وجه التحديد والتي تستورد مصر منه وفقًا لتقديرات مختلفة نحو 60% من احتياجاتها&nbsp; من الخارج.
باختصار زيادة الأسعار العالمية يعني مطلوبات إضافة من النقد الأجنبي من القطاع المصرفي.
الضغوط على النقد الأجنبي السابقة للحرب كشفتها البيانات الرسمية للبنك المركزي والتي أشارت إلى تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك، وتسجيلها مستويات سالبة، حيث بلغ صافي الأصول الأجنبية&nbsp;&nbsp;<a href="https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2022/01/13/%D9%81%D9%8A%D8%AA%D8%B4-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%86%D8%AE%D9%81%D8%A7%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B6%D8%BA%D8%B7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D8%B5%D9%86%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%88%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9">سالب 7.1 مليار&nbsp;</a>دولار، بنهاية نوفمبر الماضي&nbsp; بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
السبب الثاني:&nbsp;الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل مباشر على النقد الأجنبي لمصر.&nbsp;
حيث قادت الحرب معدلات التضخم لمزيد من الارتفاع على مستوى العالم، وخاصة في السلع الاستراتيجية التي تستوردها مصر مثل القمح والبترول. فبينما ارتفع سعر برميل النفط بنحو 100% منذ بداية العام، تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم بواقع 12 مليون طن. وكان القمح سجل ارتفاعا&nbsp;<a href="https://www.elwatannews.com/news/details/5979049">بنحو 50%</a>&nbsp;منذ بدء الحرب في الرابع والعشرين&nbsp; من فبراير الماضي وحتى الأسبوع الأول من مارس الجاري، هذا بالإضافة إلى أن روسيا وأوكرانيا يمثلان<a href="https://enterprise.press/ar/stories/2022/03/21/%d9%86%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%b9-%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2%d9%8a-%d9%8a%d9%82%d8%b1%d8%b1-%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d9%85%d9%81/">&nbsp;85%&nbsp;</a>من واردات القمح لمصر.&nbsp;
ارتفاع القمح والبترول وغيرها من السلع بسبب الحرب أضاف عبئًا جديدًا على مطلوبات النقد الأجنبي.
ومن تداعيات الحرب كذلك، هروب استثمارات المحفظة أو ما يطلق عليها الأموال الساخنة المستثمرة في أدوات الدين الحكومية&nbsp; من الأسواق الناشئة خوفًا من تداعيات الحرب وبالتزامن مع تلميح الفيدرالي الأمريكي وقتها برفع سعر الفائدة، ما مثَل ضغطًا على النقد الأجنبي بشدة خلال الأيام التالية للحرب حيث رصدت رويترز خروج الأجانب من سندات حكومية&nbsp; مصرية بنحو 3 مليار دولار خلال الأسبوع التالي لاندلاع الحرب.
الزيادة في الالتزامات بالنقد الأجنبي للأسباب السابقة لم يقابلها زيادات بنفس النسبة في الإيرادات الدولارية&nbsp; (السياحة، والصادرات، وتحويلات المصريين بالخارج&hellip;) وهو ما دفع المركزي لاتخاذ قراره بخفض قيمة العملة المحلية.
<h3>ولكن ما علاقة النقص في النقد الأجنبي بخفض قيمة العملة؟</h3>
يستهدف البنك المركزي من خفض قيمة الجنيه إستعادة استثمارات المحفظة مجددًا نظرًا لأن تراجع قيمة العملة يخلق ميزة&nbsp; تنافسية لأدوات الدين الحكومية (منخفضة السعر) عن نظيرتها في الأسواق الناشئة، وهي نفس الميزة التنافسية للصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة، بالإضافة إلى أن الخفض في قيمة العملة المحلية بمثابة تمهيد حكومي لدى مؤسسات التمويل الدولية للحصول على تمويل بالعملة الأجنبية.&nbsp;<a href="https://arabic.rt.com/business/1337310-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85-%D8%B7%D9%84%D8%A8%D8%A7-%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AD%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A5%D8%B6%D8%A7%D9%81%D9%8A/">وبالفع</a>ل تقدمت مصر بطلب في الثالث والعشرين من مارس الجاري لصندوق النقد الدولي لبدء مشاورات بخصوص برنامج جديد.&nbsp;
كما تتضمن مستهدفات البنك من قرار خفض قيمة الجنيه، الدولارات المدخرة خارج القطاع المصرفي، حيث يُشجع رفع قيمة الدولار في مواجهة الجنيه المدخرين وخاصة من خارج القطاع المصرفي على استبدال مدخراتهم الدولارية بأخرى محلية للاستفادة من فارق السعر قبل وبعد الزيادة لقيمة الدولار.
<h3>لماذا صاحب قرار خفض قيمة الجنيه آخر بزيادة سعر الفائدة وطرح شهادات استثمار بسعر عائد 18%؟&nbsp;</h3>
قراري رفع سعر الفائدة وطرح شهادات عالية العائد جاء بالأساس لتشجيع حائزي الجنيه المصري على الاحتفاظ به وسحب جانب من السيولة بالسوق في محاولة للمركزي لكبح جماح التضخم الذي قفز خلال فبراير الماضي متجاوزاً مستهدفاته ( -/+ 7%) مسجلًا 10%، كما يساهم رفع الفائدة، في ظل ارتفاع قيمة الدولار، في منع الدولرة ( تحويل الجنيه لدولار وتخزينه) والاحتفاظ بالجنيه كمخزن قيمة مصطنعة بواقع سعر الفائدة المرتفع.&nbsp;
<h3>ما هي آثار خفض قيمة الجنيه على المواطن؟</h3>
خفض قيمة العملة المحلية لأي دولة يعني ارتفاع معدلات التضخم، وتتفاوت هذه الارتفاعات من دولة لاخرى بحسب مدى اعتماد الدولة على السلع المستوردة في أسواقها. وتشير تقديرات المراقبين إلى أنه على مستوى السلع الأساسية، مصر&nbsp;تستورد 65% من احتياجاتها من القمح، و60% من احتياجاتها من الألبان ونفس النسبة من اللحوم، و95% من الزيوت و35% من السكر و100% من العدس و 70% من الفول.
معدلات التضخم المتوقع ارتفاعها بعد تخفيض قيمة الجنيه تأتي في ظل ارتفاعات فعلية لأسعار المستهلكين سجلتها البيانات الرسمية، حيث&nbsp;<a href="https://www.masrawy.com/news/news_economy/details/2022/3/10/2188776/%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%AE%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D8%B1%D9%8A-%D9%8A%D9%82%D9%81%D8%B2-%D8%A5%D9%84%D9%89-2-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%B1-%D8%A8%D8%B3%D8%A8%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B6%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%AD%D9%88%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%86">ارتفع</a>معدل التضخم في فبراير الماضي، لإجمالي الجمهورية على أساس سنوي 10%، كما ارتفع التضخم الشهري 2%، وهو المعدل&nbsp;<a href="https://www.bloomberg.com/news/articles/2022-03-10/egypt-inflation-hits-highest-since-mid-2019-as-food-prices-soar">الأعلى</a>&nbsp;منذ عامين ونصف.
كما أن خفض قيمة العملة المحلية يقلل القيمة الشرائية للعملة ما يسبب تآكل في الدخول وفي حالة الخفض الأخير للعملة&nbsp; 18% أمام الدولار فهذا يعني تآكل (انخفاض) الدخول بنفس النسبة، وهو ما يهدد شرائح واسعة من محدودي الدخل بالسقوط تحت خط الفقر، وما ينذر أيضا بزيادات متوقعة في معدلات الفقر التي بلغت وفقًا لبحث الدخل والإنفاق 2019/ 2020&nbsp; ل 29.7%.
<h3>إذا كان هذا هو الواقع فماذا عن المستقبل ؟</h3>
في ظل الحروب والجوائح يصعب نسبيًا التنبؤ بالمستقبل على نحو يقيني ولذا فإن المشهد برمته مرهون بما ستؤول إليه مسببات الأزمة الرئيسية، الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية، وقدرة الحكومة على توفير موارد مستدامة للنقد الأجنبي.&nbsp;
السيناريوهات المتفائلة حيال المستقبل تتوقع استقرار سعر الصرف خلال الثمانية عشر شهرًا القادمة، وأن تساهم عملية رفع سعر الفائدة إلى جانب تحديد سعر الدولار الجمركي عند 16 جنيه في تحجيم الآثار التضخمية لخفض قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار، بينما السيناريوهات الأقل تفاؤلًا ترى مشهدًا ضبابيا في ظل الحرب والجائحة واضطراب سلاسل الإمداد وعدم وجود موارد دولارية مستدامة للاقتصاد المصري.&nbsp;
السيناريو الأقل تفاؤلًا يفترض طول أمد الحرب الروسية الأوكرانية وهو ما يدفع التضخم والبطالة والفقر&nbsp; نحو مزيد من الارتفاع، ويحفز معدلات النمو الاقتصادي نحو التراجع.&nbsp;
<h3>ماهي السبل التي تتبناها الحكومة حاليًا لتوفير النقد الأجنبي بخلاف خفض قيمة العملة المحلية؟</h3>
تحاول الحكومة توفير النقد الأجنبي من خلال عدة آليات من بينها:&nbsp;
<ul style="text-align: justify;">
<li><a href="https://enterprise.press/ar/stories/2022/02/15/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A-%D9%8A%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%A8%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B5%D9%8A/">ترشيد الطلب على الدولار</a>: حيث قام البنك المركزي بإصدار قرارًا بوقف التعامل بمستندات التحصيل في كافة العمليات الاستيرادية منتصف فبراير الماضي قبل أن<a href="https://gate.ahram.org.eg/News/3391615.aspx">&nbsp;يستثني</a>&nbsp;البنك بعد ذلك كل من الشحنات الواردة بالبريد السريع، والشحنات حتى مبلغ 5000 دولار أمريكي أو ما يعادلها بالعملات الأخرى، بالإضافة إلى الأدوية والأمصال والكيماويات الخاصة بها والسلع الغذائية الآتية (الشاي &ndash; اللحوم &ndash; الدواجن &ndash; الأسماك &ndash; القمح &ndash; الزيت &ndash; لبن البودرة &ndash; لبن الأطفال &ndash; الفول ـ العدس &ndash; الزبدة &ndash; الذرة)، بالإضافة إلى تخفيض كافة عمولات الاعتمادات المستندية بكافة البنوك لتكون مثل عمولات مستندات التحصيل.</li>
<li><a href="https://al-ain.com/article/suez-canal-raises-ship-transit-fees-2022">رفعت</a>&nbsp;هيئة قناة السويس رسوم عبور القناة بنسبة 6% في فبراير 2022 عن أسعار 2021، كما تعتزم الهيئة زيادة رسوم العبور الإضافية لعدد من فئات السفن، تشمل ناقلات النفط الخام، والمشتقات البترولية المحملة إلى 15%، صعودا من 5٪ في السابق، وذلك اعتبارا من أول مايو، وبشكل مؤقت.</li>
<li>&nbsp;الاقتراض: تسعى الحكومة للاقتراض من الخارج من جهات التمويل المختلفة، حيث تقدمت بطلب لصندوق النقد&nbsp; للمشاورات حول برنامج جديد قد يتضمن تمويلًا ، كما طرحت وزارة المالية&nbsp;<a href="https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2022/03/24/%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D8%AD-%D8%B3%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D8%A7%D9%85%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%8A-%D8%A8%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-60-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9">سندات "الساموراي"</a> مؤخرا بقيمة تعادل 493.2 مليون دولار.</li>
<li>بيع اصول: حيث تسعى الحكومة لبيع حصص حكومية في كيانات اقتصادية مختلفة لمستثمرين أجانب، إذ نقلت<a style="font-family: -apple-system, BlinkMacSystemFont, 'Segoe UI', Roboto, Oxygen, Ubuntu, Cantarell, 'Open Sans', 'Helvetica Neue', sans-serif;" href="https://www.asharqbusiness.com/article/35243">&nbsp;وكالة بلومبرج</a>&nbsp;عن عزم الحكومة بيع حصة من البنك التجاري الدولي وحصص أخرى في 4 شركات مدرجة بالبورصة لصندوق الثروة السيادي أبوظبي للحصول على تمويل تصل قيمته 2 مليار دولار.</li>
</ul>
&nbsp;

آراء

Commentaries