يُصادف يوم 8 مارس من كل عام الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، ويذكرنا هذا العام بأن المساواة بين الجنسين ليست فقط حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، ولكنها إحدى الركائز الأساسية لبناء عالم يسوده السلام والازدهار والاستدامة البيئية.

يُمثٍّل تغير المناخ التحدي الأكثر تعقيدًا في العصر الراهن، لذلك يتطلب تنسيقًا واستجابة استباقية وشاملة. تظهر الأدلة أن تعزيز المساواة بين الجنسين يمكن أن يُؤدي إلى تبني حلولًا أكثر إنصافًا واستدامة وفاعلية في مواجهة تغير المناخ. لذلك من المهم أخذ عامل النوع الاجتماعي في الاعتبار عند تصميم وتنفيذ استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ (United Nations Development Program [UNDP], 2013).

تأثيرات تغير المناخ على النساء

وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن تأثيرات تغير المناخ ليست محايدة بين الجنسين، لذا لا يمكن أن تكون استراتيجيات معالجتها محايدة جنسانياً. من أبرز المجالات التي يؤثر بها تغير المناخ على النساء، ما يلي:

الصحة العامة: أظهرت بعض الدراسات وجود روابط قوية بين الكوارث المرتبطة بالمناخ ووفيات الإناث، حيث تزيد احتمالية وفاة النساء والفتيان والفتيات خلال الكوارث بأكثر من 14 مرة من الرجال، سواء بشكل مباشر بسبب نقص المعارف والمهارات، أو غير مباشر نتيجة الأحداث التالية للكوارث الطبيعية (Bradshaw & Fordham, 2013). في بنجلادش، عانت النساء أكثر من غيرهن في أعقاب إعصار وفيضان عام 1991، ومن بين النساء في سن 20-44 عامًا، كان معدل الوفيات 71 لكل 1000، مقابل 15 لكل 1000 من الرجال (Aguilar, 2009).

في جميع أنحاء العالم، تتأثر النساء بشكل أكبر بفقر الطاقة؛ نتيجة التأثير التراكمي لارتفاع مخاطر الصحة والسلامة الناشئة من الإضاءة غير الفعالة، وتلوث الهواء المنزلي، ووقود الطهي الملوث (Wedeman & Petruney, 2019). يمكن أن يؤدي تغير المناخ أيضًا إلى زيادة انتشار الأمراض المنقولة التي تكون المرأة معرضة لها بوجه خاص، ومنها الملاريا (مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، 2019).

الأمن الغذائي: يؤدي تغير المناخ إلى تدهور الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى وتقليص الإنتاج الزراعي في جميع أنحاء العالم، وهو ما يضر بأشد الناس فقرًا. كثيراً ما تكون المرأة عُرضة لانعدام الأمن الغذائي، بسبب احتياجاتها الغذائية أثناء الحمل والإرضاع والولادة. إن ضعف التغذية هو أحد عوامل انتشار فقر الدم بين النساء، والذي ارتفع معدل الإصابة به بين النساء في سن الإنجاب عالميًا من 30.3% في عام 2012 إلى 32.8% في عام 2016 (مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، 2019). تُشير البيانات المستمدة من الهند إلى أن التعرض لكارثة طبيعة (في العادة في شكل فيضانات وموجات جفاف وارتفاع درجات الحرارة) يؤدي إلى نقص التغذية لدى البنات مقارنة بالأولاد (منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، 2018).

سُبل الرزق والعمل اللائق: يمكن أن تؤدي الآثار الضارة لتغير المناخ إلى استنزاف الموارد وتدمير البنية التحتية، وهو ما يزيد من البطالة ومن حدة الاختلالات بين الجنسين في العمل حيث تواجه المرأة بالفعل عراقيل كبيرة. قد تجد الأسر التي تعولها نساء مثلاً صعوبات في الحصول على المساعدة الإنسانية أو الاستفادة من البرامج المنفذة في أعقاب الكوارث، التي تستهدف في العادة "رب الأسرة" المفترض أنه "رجل" (مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، 2019).

العنف القائم على النوع الاجتماعي: كنتيجة اجتماعية غير مباشرة للكوارث المرتبطة بالمناخ، وكذلك بسبب الأحوال المناخية بطيئة الظهور، ازداد العنف القائم على النوع الاجتماعي داخل الأسر في بعض البلدان النامية، بسبب ازدياد الإجهاد والتوتر وتعطل شبكات الأمان الاجتماعي (منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، 2018).

يمكن أن يُؤدي الضغط الاقتصاديّ الناجم عن الكوارث وتغيّر المناخ إلى تزايد حالات زواج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري، كاستراتيجيّة للتكيّف. في الوقت الراهن، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 1.5 مليون فتاة يتزوجن مبكرًا كنتيجة مباشرة لتغير المناخ (Trevelyan, 2021).

وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة عام 2018، فإن 80% من النازحين بسبب التغير المناخي كن من النساء (Aguilar, 2009). يزداد تعرض النساء لمخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعيّ أثناء الكوارث وفي أعقابها، في ظل غياب نظم الحماية الاجتماعية وفي الحالات التي يقترن فيها انعدام الأمن الغذائي بإفلات مرتكبي العنف من العقاب وضعف مؤسسات إنفاذ القانون.

لماذ النساء هم الأكثر تضررًا من التغير المناخي؟

هناك ارتباط قوي بين عدم المساواة بين الجنسين وتغير المناخ؛ فغياب المساواة بين الجنسين يزيد من مخاطر تغير المناخ على النساء، في الوقت نفسه، فإن تغير المناخ يمثل عامل ضغط إضافي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أوضاع عدم المساواة القائمة بين الجنسين (Roy, 2020). هناك عددًا من العوامل الأساسية التي تجعل آثار تغير المناخ أكثر وضوحًا على النساء، من بينها:

تقييد فرص المرأة: تشكل النساء في المتوسط 43% من القوة العاملة الزراعية في البلدان النامية (Food and Agriculture Organization [FAO], 2011). رغم ذلك، تشغل النساء أقل من 15% من أراضي العالم. بدون سند رسمي للأرض، لا يمكن للنساء الحصول على التمويل اللازم لتحمل الصدمات المناخية والاستفادة من ابتكارات الزراعة الذكية مناخيًا (Trevelyan, 2021). إضافة إلى تمتع النساء في العديد من المناطق بفرص محدودة للحصول على خدمات الإرشاد الزراعي والمعلومات المناخية. في عام 2011، في 97 دولة، تم توجيه 5% فقط من خدمات الإرشاد الزراعي إلى النساء؛ وكان 15% من المرشدين الزراعيين من النساء (FAO, 2011).

ضعف فرص المشاركة في عملية صنع القرار: مقارنةً بالرجال، تواجه النساء تحديات كبيرة في الوصول إلى جميع مستويات السياسات وعمليات صنع القرار. بالتالي لا يتوافر للنساء فرص عادلة للتأثير ووضع سياسات تراعي الفوارق بين الجنسين والاحتياجات الخاصة بهن. وجد مسح أجري عام 2015 في 65 دولة أن 35% فقط من وزارات البيئة لديها شخص مسؤول عن دمج اعتبارات النوع الاجتماعي في سياسات الوزارة (Wedeman & Petruney, 2019).

انتشار الفقر: يرتبط الفقر وتغير المناخ ارتباطًا وثيقًا، وتشكل النساء 70% من سكان العالم الفقراء، مما يجعلهن أكثر تأثرًا بتغير المناخ (UNDP, 2013). تعمل النساء في القطاع غير الرسمي وفي المشاريع الصغيرة أكثر من الرجال. هذه القطاعات في كثير من الأحيان الأشد تضررًا والأقل قدرة على التعافي من آثار الكوارث (Aguilar, 2009). يرتبط الفقر أيضًا بتدني مستوى التعليم، مما يعيق من قدرة المرأة على الوصول إلى المعلومات والمساعدة ذات الصلة بتغير المناخ والكوارث مقارنة بالرجال، كما أن ذلك يجعلهن أقل عرضة للاستجابة لإعلانات وإرشادات الإنذار المبكر المكتوبة. تمثل النساء نسبة عالية من المجتمعات الفقيرة التي تعتمد على سبل العيش الحساسة للمناخ (مثل الزراعة)، باعتبارها المصدر الرئيسي للغذاء والدخل وسد احتياجاتهم من الطاقة والغذاء، مما يجعلهن عرضة بشكل غير متناسب لتغير المناخ(UNDP, 2013) .

العادات الاجتماعية والثقافية: قد تحد من قدرة النساء على الحصول على المعلومات أو تعلم المهارات اللازمة للهروب من المخاطر أو تجنبها (مثل السباحة وتسلق الأشجار للهروب من ارتفاع مستويات المياه في حالات الأعاصير والفيضانات). في العديد من المجتمعات، تمنع الأعراف الاجتماعية والثقافية ومسؤوليات رعاية الأطفال، النساء من الهجرة أو البحث عن ملجأ في أماكن أخرى أو العمل عند وقوع كارثة (Osman-Elasha, 2012).

محدودية المبادرات الدولية: تُظهر النتائج أن الجوانب المتعلقة بالنوع الاجتماعي كانت حتى وقت قريب، قضية مهملة، في السياسة المناخية الدولية. أولت المبادرات الدولية أيضًا القليل من الاهتمام بالآثار الاجتماعية لتغير المناخ على الفقراء من الرجال والنساء (Aguilar, 2009). كان ضعف الاهتمام الدولي بقضايا عدم المساواة بين الجنسين في إطار تغير المناخ، وفقًا لبعض المؤلفين نتيجة الحاجة المتصورة التي يشعر بها المفاوضون لتركيز اهتمامهم والموارد المحدودة المتاحة لديهم حول قضايا عالمية أكثر إلحاحًا، سواء فيما يتعلق بسياسات التخفيف والتكيف. غالبًا ما تُفضل التدخلات المتعقة بتغير المناخ، التدابير العلمية والتكنولوجية على السياسات "اللينة" التي تُعالج السلوكيات والتفاوتات الاجتماعية، لا سيما فيما يتعلق بالدخل والفرص العامة (Lambrou & Piana, 2006).

نحو سياسات مناخية مراعية للنساء في مصر

من أجل تعزيز مساهمة النساء في مصر في جهود الاستجابة والتكيف والتخفيف من حدة التغير المناخي، يمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول النامية التي نفذت مجموعة من الآليات والتدابير المهمة، من بينها:

- تدشين الأسس القانونية لتعميم المنظور الجنساني في تغير المناخ وسياسة إدارة مخاطر الكوارث: في الفلبين، تمّ إدراج النوع الاجتماعي في قوانين إدارة مخاطر الكوارث في أعقاب الإعصار والعاصفة الاستوائية لعام 2009، ونصّ على تضمين النساء في تشكيل إدارات اللجان المحلية للحد من مخاطر الكوارث(Global Facility for Disaster Reduction and Recovery, 2018). في عام 2019، اطلقت كوستاريكا "خطة عمل المساواة بين الجنسين" (GAP)، الخاصة باستراتيجيتها الوطنية بشأن الحد من الانبعاثات الناتجة عن إزالة وتدهور الغابات REDD+))، لتكون الدولة السادسة على مستوى العالم التي لديها خطة جنسانية لتنفيذ هذه الاستراتيجية (United Nations Development Program, 2019).

- الاهتمام بتوعية النساء وتثقيفهن حول مخاطر تغير المناخ: مثلما حدث في مدينة "لا ماسيكا" بهندوراس، التي لم تبلغ عن أي وفيات بعد إعصار ميتش عام 1998، وذلك بفضل جهود وكالة الكوارث في التثقيف المجتمعي بشأن نظم الإنذار المبكر وإدارة المخاطر قبل حدوث الإعصار بعدة شهور؛ حيث تمّ إشراك النساء والرجال على قدم المساواة في جميع أنشطة إدارة المخاطر والمراقبة المستمرة لنظام الإنذار المبكر Aguilar, 2009)).

- تقديم الدعم المالي للنساء اللواتي يساهمن في حماية البيئة: في مايو 2020، أطلقت حكومة كوستاريكا برنامجاً لتوفير الموارد المالية والمساعدة الفنية لتمكين المرأة ودعم جهودها لتنفيذ أنشطة عالية التأثير في مناطق الغابات ذات الأولوية في البلاد. يُعرف البرنامج بـ " + Women + Nature "، يتمّ بموجبه منح قروض وخطوط ائتمان للنساء وذلك بشروط ميسرة لمدة عشر سنوات وكذلك إعطاء الأولوية للنساء المالكات للغابات والمزارع الحرجية في الحصول على المدفوعات مقابل الخدمات البيئية (PES). يُعد البرنامج فريد من نوعه في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ويقدم إجراءات ملموسة في المجال المالي لربط القضايا البيئية بالمساواة بين الجنسين وتعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة (Presidencia de la República de Costa Rica, 2020).

- دمج منظور النوع الاجتماعي في ممارسات الزراعة الذكية مناخيًا: تبنى مشروع في قرية My Loi "الذكية مناخيًا" في فيتنام نهج يُراعي النوع الاجتماعي في ممارسات الزراعة الذكية مناخيًا، من خلال تدريب الميسرين وموظفي المشروع منذ البداية على المناهج التشاركية وتعميم مراعاة المنظور الجنساني في جميع أنشطة المشروع والدورات التدريبية؛ إذ تمّ إبقاء عضوية اتحادات المزارعين مفتوحة عن قصد لمشاركة الزوج والزوجة بالتبادل، مما أدى لزيادة مشاركة وتبادل المعلومات داخل المنزل بخصوص توقعات الطقس والإرشادات الزراعية وإدارة المدخرات والقروض، وساهم في تمكين النساء من توجيه عملية صنع القرار الخاصة بالزراعة (Freeman, 2018).

- بحث إمكانية إقرار نظام الحصص لإدماج النساء في اللجان والمشروعات المتعلقة بتغير المناخ: في أوغندا، استهدف برنامج للبنك الدولي والمرفق العالمي للحد من الكوارث والتعافي منها، دعم جهود الحكومة لتقوية المرونة المالية للفئات الأشد فقرًا في مواجهة الكوارث الطبيعية من خلال تنفيذ مشروعات الأشغال العامة، وتمّ اشتراط أن يكون 40% على الأقل من المشاركين في المشروعات من النساء (Global Facility for Disaster Reduction and Recovery, 2018).

- سد فجوة المعرفة الخاصة بإحصائيات النوع الاجتماعي وتغير المناخ: تُقدم المكسيك تجربة مهمة لتوفير إحصائيات متعلقة بالفجوات بين الجنسين في الأدوار والخبرات، والتي من بينها أطلس النوع الاجتماعي The Gender Atlas، الذي يتضمن البيانات الخاصة بالسكان والتعليم والصحة والعمل وصنع القرار، استخدام الوقت، الفقر، التمكين، العنف والشعوب الأصلية، وهي مصنفة وفقًا للنوع الاجتماعي. يقدم الأطلس بيانات عن النسبة المئوية من النساء والرجال العاملين في قطاعات الزراعة ومصايد الأسماك والكهرباء والمياه والغاز والمناجم. يتضمن الإحصاء الزراعي The Agricultural Census أيضًا بيانات مهمة حول ملكية الأراضي الزراعية حسب النوع الاجتماعي، وكذلك نسب مشاركة النساء والرجال في مجالس إدارات إدارة الأراضي الزراعية والغابات. تجري المكسيك كذلك مسح استخدام الوقت الوطني National Time Use Survey، الذي يقدم أدوات مهمة لتحسين فهم الفروق بين أدوار النساء والرجال، سواء في العمل غير مدفوع الأجر كتحضير وتجهيز الطعام أو الأنشطة الريفية كجمع النباتات والمنتجات الحرجية الأخرى، الصيد وصيد الأسماك، ورعاية الأرض وتربية حيوانات المزرعة (United Nations Environment Programme, 2019).

المراجع

Aguilar, L. (2009). Climate change and disaster mitigation. The World Conservation Union.
Bradshaw, S., & Fordham, S. (2013). Women, girls and disasters – A review for DFID library.
Food and Agriculture Organization. (2011). The state of food and agriculture 2010-2011.
Freeman, K. (2018). Weather forecasts for all: Improving access to weather information for women and ethnic minorities. CGIAR Research Program on Climate Change, Agriculture and Food Security.
Global Facility for Disaster Reduction and Recovery. (2018). Gender equality and women’s empowerment in disaster recovery: Disaster recovery guidance series.
Lambrou, Y., & Piana, G. (2006). Gender: The missing component of the response to climate change. Food and Agriculture Organization.
Osman-Elasha, B. (2012). In the shadow of climate change. UN Chronicle 46(4), 54-55.
Presidencia de la República de Costa Rica. (2020). Costa Rica launches financial program for women who protect natural resources.
Roy, K. (2020). Gender equity and climate change have more in common than you think. World Economic Forum.
Trevelyan, A-M. (2021). Advancing gender equality through climate action. International Monetary Fund.
United Nations Development Program. (2013). Overview of linkages between gender.
United Nations Development Program. (2019). Gender equality in national climate action: Working towards gender–responsive NDCs.
United Nations Environment Program. (2019). Gender and environment statistics: Unlocking information for action and measuring the SDGs.
Wedeman, N., & Petruney, T. (2019). Invest in girls and women to tackle climate change and conserve the environment. Women Deliver Organization.

مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. (2019). دراسة تحليلية بشأن الإجراءات المناخية المراعية للاعتبارات الجنسانية من أجل التمتع الكامل والفعلي بحقوق الإنسان.
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. (2018). حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم: بناء القدرة على الصمود في وجه تغيّر المناخ من أجل الأمن الغذائي والتغذية. منظمة الأغذية والزراعة.

Read Also