حلول للسياسات البديلة | سلسلة مِن العُقَد: دراسة مُقترح مقدَّم مِن منظَّمات نسويَّة حول الإجهاض في مصر

سلسلة مِن العُقَد: دراسة مُقترح مقدَّم مِن منظَّمات نسويَّة حول الإجهاض في مصر

  • ١٢ مايو، ٢٠٢٢

نانا أبو السعود

نانا أبوالسعود منسقة البرامج والمناصرة في تحالف تحقيق العدالة الجنسية والإنجابية، ومدربة في مجال الصحة جنسية والإنجابية في مؤسسة جنيف للتعليم والبحث الطبي. 




في مارس الماضي، أطلقت قوة العمل للمنظمات النسوية من أجل ”قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء“ حملة تبرز مطالبها الرئيسية. ويتكون مشروع القانون من سبعة فصول بإجمالي 53 مادة، وقد جمع على 60 توقيعًا من أعضاء مجلس النواب (مجدي، 2022). وفي عام 2018، تشكلت قوة العمل من ست منظمات نسوية: مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، ومؤسسة قضايا المرأة المصرية، ومبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، ومؤسسة المرأة الجديدة، ومركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي. ومِن بين المواد المقترحة لمكافحة العنف ضد النساء والفتيات، تُقترح المواد 31 و32 و33 و34 لتحل محل المواد 261 و262 و263 و264 الحالية[1] من قانون العقوبات المصري والخاصة بتجريم الإجهاض. ووصلت المواد المقترحة إلى هدفين استراتيجيين. فعلى سبيل المثال، تُضيف المادة 32 من قانون العقوبات "المُسقِط من أصول أو فروع المجني عليها أو زوج لها" إلى الفاعلين المحتملين للإجهاض القسري دون رضا الحامل، في حين أن المادة 263 في قانون العقوبات المصري تشير فقط إلى مقدمي الرعاية الصحية كفاعلين محتملين للإجهاض القسري (The United Law for Combating Violence Against Women, 2022). وعلى الرغم مِن إقرار هذا التعليق التحليلي ببعض المكاسب الاستراتيجية التي أوضحها هذا المقترح المقدّم من المنظمات النسوية فإنه لا يدرس سوى مادة واحدة، الأمر الذي يمكن القول بأنه خطوة للوراء. 

وتنص المادة 33 على ”[و]لا تعاقب الحامل على فعل الإسقاط دون موافقة الشريك في الحالات الآتية: إذا كان، لسبب طبي، أو كان ضروريًّا للحفاظ على صحة المرأة الحامل بشهادة الطبيب. إذا كان الحمل نتيجة اغتصاب، أو سفاح محارم." وليس لهذه المادة المقترحة ما يماثلها في المواد الحالية التي تجرم الإجهاض، كما أنها لا تستخدم مصطلح "الشريك". ومن الجدير بالذكر أن القوانين المصرية لا تعترف بالعلاقات خارج إطار الزواج كشراكات. والمعنى الفعلي لهذه المادة أنه لا يُسمح إلا للمتزوجات اللاتي لهن أزواج بالسعي للحصول على خدمات الإجهاض. ومع الأخذ في الحسبان مسألة الحالة الإجتماعية وتأثيرها على القرارات الإنجابية، نجدها تؤدي إلى تقويض شمولية خدمات الصحة الجنسية والإنجابية (Abuelsoud, 2021). علاوةً على ذلك، فحتى إن اعتبر أن "الشريك" المذكور يشمل العلاقات خارج إطار الزواج، فإن اشتراط موافقة الشريك على طلب الإجهاض سيقيد حصول الأشخاص الذين يحتاجون إليه على خدمات الإجهاض.

ويضع النّص الفرعي للمادة 33 الأساس للإجهاض بشكل قانوني في حالات السبب الطبي أو الاغتصاب أو سفاح المحارم، والتي يمكن اعتبارها خطوة أولى في إضفاء الشرعية على الإجهاض دون النص عليه صراحة على هذا النحو. غير أن السعي للحصول على موافقة طرف ثالث، في ظروف أخرى، يضر بالاستقلالية الإنجابية للنساء ، وهو خطوة بيروقراطية لا لزوم لها، على غرار فترة الانتظار الإلزامية في السياقات التي يكون فيها الإجهاض متوفر لكن غير متاح. وقد اضطرت النساء إلى البحث عن خدمات بديلة خارج البلاد بسبب تقييد إمكانية الإجهاض في إيطاليا نتيجة فترة الانتظار الإلزامية التي تبلغ مدتها سبعة أيام (Minerva, 2014). وفي الولايات المتحدة، لم تتمكن غالبية النساء اللاتي شملهن الاستطلاع الذي أجري في عام 1981 من ذِكر أي فوائد لفترات الانتظار؛ وبدلًا من ذلك، فقد ذكرن جميع الأعباء المالية والصحية التي واجهنها بسبب هذا القيد، مثل فترات الإجازات من العمل أو بلوغ الثلث الثاني من الحمل (Lupfer & Silber, 1981).

تكلفة تقييد الحق في الإجهاض في مصر

دعونا الآن نلقي نظرة على حالة واقعية لحمل غير مرغوب فيه بين اثنين غير متزوجين؛ حيث تم القبض على امرأةٍ لتخلصها من طفلها حديث الولادة. ففي عام 2020، أدينت امرأة تبلغ من العمر 20 عامًا بسبب تركها لطفلها حديث الولادة في حلوان، بعد محاولتها الفاشلة لحمل شريكها على الزواج منها عندما اكتشفت أنها حامل. وحاولت الإجهاض لكنها فشلت. وأنجبت توأمًا، توفّي أحدهما عند الولادة وتركت الطفل الآخر في منطقة مقابر لمدة ثلاثة أيام قبل العثور عليها ميتة (سيف، 2020).

تجربة هذه المرأة مع الحمل كان يمكن أن تكون مختلفة إذا كانت لديها سبيل للإجهاض الآمن ، فهذا الوضع مألوف في سياق يكون فيه الإجهاض غير قانوني (Egyptian Initiative for Personal Rights [EIPR], 2016). وإذا كانت المادة المقترحة منصوصًا عليها في القانون، وعلى افتراض أن الشريك في هذه الحالة غير موافقٍ على الإجهاض، فإن الظروف والملابسات التي تحيط بهذه المرأة تمنعها من الإستفادة من الاستثناءات المقترحة للحصول على الإجهاض ، مما يعني أنها لا تزال غير قادرةٍ على الإجهاض بشكل قانوني. 

وبالمثل، في عام 2019، أقامت امرأة في بني سويف علاقة خارج نطاق الزواج، وأدت هذه العلاقة إلى حمل حاولت إنهاءه مرتين، لكنها فشلت. وحُكم عليها بالسجن لمدة 10 سنوات لتخلّصها مِن طفلها حديث الولادة وإلقائه في مصرف مائي (الشيخ، 2020). لم تتمكن السيدتان في هاتين الحالتين من الإجهاض الذي احتاجتا إليه وانتهى بهما المطاف في السجن نتيجة للتدابير اليائسة التي اتّخذناها، مما يشير إلى المخاطر التي تشكلها القيود المفروضة على الإجهاض.  

ونشرت منظمة الصحة العالمية مجموعة توصياتها وأفضل ممارساتها بشأن الإجهاض، ومن أبرزها إدراجه في الخدمات الأساسية (WHO, 2022). وعلاوةً على ذلك، توصي منظمة الصحة العالمية بعدم تقييد إمكانية حصول النساء على الخدمات الصحية على أساس عدم حصولهن على إذنٍ من الزوج أو الشريك أو الوالدين/الأوصياء أو المؤسسات الصحية. فمن الواضح أن المادة 33 التي اقترحتها قوة العمل من المنظمات النسوية قد أغفلت هاتين النقطتين. 

تعد إتاحة الإجهاض أحد طموح الحركات النسوية في جميع أنحاء العالم. فالتقاضي الاستراتيجي -الذي يتم من خلاله رفع الدعاوى من طرف واحد بقصد تحقيق تغيير اجتماعي أوسع- وإطلاق الحملات محوران رئيسيان للتنظيم النسوي حول الحقوق الجنسية والإنجابية. لم يكتسب التنظيم حول الإجهاض في الساحات النسوية في مصر، أونلاين وأوفلاين، الزخم اللازم لتعزيز جهود المنظمات النسوية بشأن الإجهاض في المناقشات البرلمانية المتوقعة. كما أن الحملات المؤسسية المتفرقة بشأن الإجهاض غير كافيةٍ لتعكس الاحتياجات الجماعية للنساء والمطالب النسوية بشأن الحقوق الإنجابية بوجه عام والحق في الإجهاض الآمن بوجه خاص.

التنظيم النسوي للإجهاض الآمن: الدروس المستفادة من المكسيك وكولومبيا

يعكس "المد الأخضر" الذي انتشر في جميع أنحاء دول أمريكا اللاتينية، ومنها المكسيك، المطالب الثلاثة المركزية للتنظيم النسوي من أجل الاستقلال الإنجابي: التعليم الجنسي من أجل الإستكشاف، وإتاحة موانع الحمل للإستمتاع، وتقنين الإجهاض من أجل الاختيار. ففي الفترة بين عامي 2007 و2019، جاءت المكاسب التشريعية من وقت لآخر عبر العديد من الولايات المكسيكية، مع صدور حكم تاريخي من المحكمة العليا في 7 سبتمبر 2021، أعلن أن القوانين التي تجرم الإجهاض غير دستورية، لأنها تنتهك الحقوق الدستورية للأشخاص في الاستقلال الذاتي والحرية الإنجابية (Ipas, 2021). وهناك طرق أكثر موضوعية للتعامل مع الجمهور بشأن عدم تجريم الإجهاض بدلًا من بدء المناقشات فقط في البرلمان، كما هو الحال في الحالة المصرية. وأثرت الحملات حول قضايا التقاضي الاستراتيجي، التي تنقل المواقف المعقدة وأحيانًا المهددة للحياة التي تجد النساء أنفسهنّ فيها عندما لا يتمكنّ من الإجهاض بشكل آمن، على ردود الفعل العامة بشأن الإجهاض على مر السنين. ففي المكسيك، توجت الحملات التي دامت لسنوات بالحكم التاريخي الصادر عن محكمة العدل العليا (SCJN). وقضت محكمة العدل العليا بعدم دستورية قيام ولايات مثل سينالوا -والتي يُبرر فيها تجريم الإجهاض بمفهوم "حماية الحق في الحياة منذ الحمل"- بسجن النساء الحوامل بسبب قيامهم بإنهاء الحمل بحرية. وألغى الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا هذا المفهوم بناءً على حقيقة أن المجلس المحلي يفتقر إلى الكفاءة في تحديد متى تبدأ الحياة (Galván, 2021). 

وفي كولومبيا، بدأت الحركة النسوية عبر الأجيال وعلى مر العقود بالإلتفاف حول الحق في الإجهاض، والذي ظل غير قانوني في كل الأحوال حتى عام 2006. وكان انتصارهن الأخير تدريجيًّا؛ حيث بدأ بإضفاء الصفة القانونية على الإجهاض في ثلاث حالات: إذا كان الحمل ناتجًا عن اغتصاب، أو إذا كانت حياة المرأة أو صحتها معرضة للخطر، أو إذا اكتشفت حالات تشوّه مميتة في الجنين. وبلغ عدد النساء المضطهدات بسبب الإجهاض ذروته بعد عام 2006؛ لأنّ الأطباء في العديد من الحالات امتنعوا عن تقديم خدمات الإجهاض خشية التجريم (Jaramillo Sierra et al., 2021). واستمر التنظيم النسوي من خلال الجهود المتضافرة التي بذلتها أكثر من 90 منظمة تحت مظلة الحركة الاجتماعية Causa Justa، والتي تمثل آلاف الناشطات النسويات. وخلال الفترة بين عامي 2020 و2022، رفعت Causa Justa قضية عدم تجريم الإجهاض إلى المحكمة الدستورية. وكانت إحدى الحجج المقدَّمة قد أبرزت بالدليل كيف أن محدودية الوصول إلى خدمات الإجهاض له أثرٌ سلبيٌ على النساء اللاتي يسعين إلى الحصول على خدمات الإجهاض ممن تستوفي ظروفهن الاستثناءات الضيقة المذكورة أعلاه، لكنهن ينتمين إلى خلفيات أقل إمتيازًا. فقد رفض العديد من الأطباء تقديم الخدمات للفقيرات والمهاجرات لأسباب تتعلق بالطبقة و/أو كراهية الأجانب (Ricaurte, 2022). وهذا الأثر المتفاوت لتقييد حصول المهاجرات غير الشرعيات على خدمات الإجهاض يعني أن هذا التقييد ينتهك الحق في المساواة. ونتيجة لذلك، ألغت المحكمة الدستورية في كولومبيا تجريم الإجهاض خلال الأسابيع الـ24 الأولى (Center for Reproductive Rights, 2022).  

وعندما لا تعتمد قضية الحق في الإجهاض الآمن إلا على أساس مناقشات برلمانية مشروطة بمحددات رجعية مثل الحالة الزوجية وما سبقها من انتهاك جنسي للحصول على خدمات الإجهاض -كما هو الحال في المادة 33 المقترحة- فإنه في ظل عدم وجود استراتيجية نسوية جماعية للحقوق الجنسية والإنجابية، يمكن أن يؤدي استثناء حالات معينة إلى تعقيد كلّ شيء. فإذا لم تكُن موافقة الشريك مكتوبة في أي مكانٍ في القانون في الوقت الحالي، فإن اقتراح تضمينها مع رؤية حذفها لاحقًا لا يقودنا إلى حيث نطمح، وهو الاستقلالية الإنجابية الكاملة وغير المشروطة (Abuelsoud, 2021). 

ثمّة دروس يمكن استخلاصها من الحملات النسوية في المكسيك وكولومبيا. فعلى سبيل المثال، يجب أن تأخذ قوة العمل من المنظمات النسوية المصرية الوقت الكافي للتحضير والتنظيم مع الناشطات النسويات وأصحاب المصلحة الآخرين؛ مثل مقدمي الخدمات الصحية والشخصيات العامة والمحاميات والباحثات، لصياغة رسائل متسقة قائمة على الأدلّة يمكن نشرها أونلاين وأوفلاين في حملة طويلة الأجل، مع رفع القضايا إلى المحكمة لزيادة الوعي العام بمدى تعقيد المواقف التي تجد النساء أنفسهن فيها، بدلًا من استنفاد الموارد في إجراء مناقشات برلمانية "بين مؤيدٍ ومعارضٍ" (Clement, 2022). بالإضافة إلى ذلك، فإن إقتراح الحصول على خدمات الإجهاض آمن كرد فعل على العنف الجنسي دون اقتراح تدابير وقائية رئيسية مثل التربية الجنسية الشاملة، وكذلك استبعاد الحالة الزوجية كمحدد للحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، يخرج الإجهاض من الخدمات الصحية الأساسية ويجعله خاضعًا لتوجهات مُقدّمي الخدمات (Bader, 2020; WHO, 2022).

يكفل الدستور المصري الحق في الصحة، في حين تدرج منظمة الصحة العالمية الإجهاض في الخدمات الأساسية. لذا، فإن النضال مِن أجل تأييد الإجهاض استنادًا إلى الحق في الصحة هو أمرٌ استراتيجيٌ. ويتبيّن من قضايا أمريكا اللاتينية أنه يمكن الفوز في هذا النضال من خلال بذل الجهود على مدار عشرات السنين في إطلاق حملات منظمة ورفع قضايا إلى المحاكم. ولا يزال هناك الكثير من الدروس التي يجب علينا تعلّمها والتكتيكات التي يجب تكييفها مع الوضع المحلي والكثير من الجهود التي يجب حشدها قبل صياغة القوانين التي تضرّ أكثر من نفعها.


[1]المادة 261: كلّ مَن أسقط عمدًا امرأة حُبلى بإعطائها أدوية أو باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك أو بدلالتها عليها سواء كان برضائها أم لا، يعاقب بالحبس.

المادة 262: المرأة التي رضيت بتعاطي الأدوية مع علمها بها أو رضيت باستعمال الوسائل السَّالف ذكرها أو مكنت غيرها من استعمال تلك الوسائل لها وتسبب الإسقاط عن ذلك حقيقة تعاقب بالعقوبة السابق ذكرها.

المادة 263: إذا كان المسقط طبيبًّا أو جراحًا أو صيدليًّا أو قابلة يحكم عليه بالسجن المشدد.

المادة 264: لا عقاب على الشروع في الإسقاط.


المراجع

 

الآراء ووجهات النظر المقدمة من الكتاب خاصة بهم ولا تعكس آراء ومواقف الجامعة الأمريكية بالقاهرة أو مشروع حلول للسياسات البديلة