حلول للسياسات البديلة | مصر تقترض من أجل شراء قمحها؟

مصر تقترض من أجل شراء قمحها؟

  • ١٣ أغسطس، ٢٠٢٣

في إصدار هذا الأسبوع، نلقي نظرة على الحيازات الخليجية للأراضي الزراعية في مصر، وكيف نجعل الاستثمار الزراعي الأجنبي أكثر عدلًا في ظل اقتراض مصر لشراء القمح.


الاستحواذ الأجنبي على الأراضي الزراعية: مصر تقترض من أجل شراء قمحها؟

أعلن وزير التموين علي مصيلحي في الأسبوع الأخير من يوليو أن مصر تجري مفاوضات بشأن تمويل جديد بقيمة 400 مليون دولار مع الإمارات لمساعدة مصر في شراء القمح. الجديد في قرض الإمارات أنه مشروط بالشراء، ولو جزئيًّا، من شركة "الظاهرة" الإماراتية التي تمتلك آلاف الأفدنة في مصر، وتتمتع بامتيازات مهولة في النفاذ إلى الأرض والمياه والكهرباء. وسيتم توقيع اتفاقية القرض الذي تبلغ أول شريحة منه 100 مليون دولار مع صندوق أبوظبي للتنمية.

استدعت الصفقة لدى بعض الخبراء مقارنات وتشابهات بالمعونة الأمريكية، التى تشترط فيها الولايات المتحدة على مصر استخدام جزء منها في شراء أسلحة من شركات أمريكية. إلا أن الأصل في الصفقة، وهو الاقتراض من أجل شراء غذاء قد يكون مزروع محليًّا، وفي صورته الخام، هو "أمر غير مسبوق" حسب الدكتور نادر نور الدين، أستاذ بكلية الزراعة في جامعة القاهرة.

توسع إماراتي في القمح المصري

في 2014، أعلنت شركة "الظاهرة" عن تطلعها إلى التوسع في زراعة القمح في مصر مستهدفة إنتاج 300 ألف طن من القمح -أو ما يعادل 10% من التوريد المحلي حينها- بحلول عام 2016، مشيرة إلى أن كل إنتاج الشركة من القمح سيباع في السوق المصرية. وأوضحت الظاهرة وكذلك الشركة الإمارتية "جنان" حينها أنهما بصدد تغيير إستراتيجيتهم والاتجاه إلى زراعة القمح بدلًا من العلف بناءً على نصائح الحكومة الإماراتية لتلبية احتياجات مصر المحلية.

يثير الاقتراض من أجل شراء قمح مصري أسئلة حول ماهية الاستثمارات الزراعية الأجنبية والخليجية في مصر، وشروط التعاقد، وكيفية تحقيق العدالة والاستدامة في تلك الأنشطة الاستثمارية. 

ضغوط خارجية

يتزامن الاتفاق الجديد من نوعه مع مجموعة تحديات تواجهها مصر في توفير القمح اللازم، تشمل:

الاستثمار الزراعي الأجنبي

تدفع ندرة الغذاء بعض البلدان، خاصة الدول الغنية برأس المال و/أو المفتقرة إلى المناخ الزراعي الأمثل، مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات إلى شراء أو استئجار أراضٍ أجنبية -كثيرًا ما تكون في دول نامية أو فقيرة- لإنتاج الغذاء للاستهلاك المحلي، فيما يسمى بالاستثمار/الاستحواذ الزراعي في الخارج. كان الاستثمار الزراعي الأجنبي في السابق يأتي عادة من القطاع الخاص، ولكن معظم الصفقات تتم الآن بين الحكومات ومستحوذين يمثلون أنظمة أو شركات أجنبية مرتبطة بأنظمة البلاد، مثل: صناديق الثروة السيادية وصناديق الاستثمار وغيرها.

ولعبت بعض دول الخليج الغنية بالنفط والمفتقرة إلى المياه، كالسعودية والإمارات (التي تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية) دورًا نشيطًا في الاستحواذ على أراضٍ زراعية أجنبية لضمان أمنها الغذائي في عالم متقلب الأسعار. وكان الوصول إلى المياه هو المحرك لكثير من الصفقات، ويعتبره البعض شكلًا من أشكال الاستعمار الجديد المعني بتحقيق الأمن الغذائي للطرف الأول على حساب مصادر مائية مهددة لدى الطرف الثاني. 

الاستثمار الزراعي الخليجي في مصر وغياب مقومات العدالة

تتركز بعض أكبر حيازات الأراضي الزراعية السعودية والإماراتية في مصر والسودان، بسبب قربهم الجغرافي والتقارب السياسي بين هذه الدول. وتتحمل الدولة المضيفة تكاليف البنية التحتية من ترع وأعمال صناعية مقامة عليها ولا يتم تحميلها على المستثمرين، الذين يكتفون بنفقات أعمال الاستصلاح الداخلي.

وتوفر منطقتا توشكى وشرق العوينات في مصر، مساحات شاسعة للاستحواذ الخليجي، ويميز تلك الحيازات عوامل مثل:

  1. الزراعة كثيفة رأس المال، في مقابل قوى عاملة صغيرة نسبيًا:
    تشير بعض التقديرات إلى أن شركات مثل "الظاهرة" و"جنان" توظف 200 شخص فقط -مصريين وأجانب- في مواقعها بمصر، وهو عدد أقل بكثير من العمالة المطلوبة لزراعة مساحات مماثلة بالوادي والدلتا. كما أنه رقم يبتعد كثيرًا عن أحد أهم أهداف مشروع توشكى وهو خلق 450 ألف وظيفة سنويًّا. 
  2. السحب المستمر للمياه:
    لم تلتزم تلك الشركات بالشروط التعاقدية والتي تسمح لهم بزراعة نسب منخفضة (5%) من المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه، مثل: البرسيم الحجازي، وما زالت مستمرة في زراعتها بشكل موسع بلغ 25% من إجمالي الزراعات.
  3. البيع بأسعار غير عادلة:
    ذكر الجهاز المركزى للمحاسبات فى تقرير عام 2014 أنه تم التصرف بالبيع في أراضي المشروع لشركة "الظاهرة" بسعر 50 جنيهًا للفدان في 2005، بينما بلغ سعرها السوقي آنذاك حوالي 11 ألف جنيه، ما أثار دعوى قضائية ضدها في 2011، حصل فيه الطرف المصري على حكم مبدئي لصالحه قبل أن يغلق الملف بأكمله لعدم استكمال التحقيق، لتستأنف الشركة الإماراتية أعمالها. 

ونظرًا إلى غياب الشفافية والإحصاءات، لا تتوفر أدلة كافية على تحقيق المنفعة المتبادلة بين الطرفين في هذا النمط من الاستحواذات الخليجية.

توصيات

أدت معظم أنماط الاستثمار الزراعي الأجنبي  إلى استغلال سيئ لظروف البلدان المضيفة، بما في ذلك الاستثمار الزراعي الخليجي في مصر. وتوصي الدراسات المعنية بضرورة تنظيم هذا النوع من الاستثمار لضمان تحقيق مكاسب لدى الدولة المضيفة في مقابل تأمين الغذاء للدولة المستثمرة أو تعزيز صادراتها الغذائية. وتشمل الأطر التنظيمية:

وترى الدراسات المختصة أن اتجاه الدولة إلى تخصيص موارد وأراضٍ للاستثمارات الزراعية الخاصة والأجنبية في العقود الأخيرة تزامن مع انخفاض دعمها للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة وتقلص فرصهم في الوصول إلى الأراضي و/أو التمويل. يؤكد خبراء زراعيون على أن نمط الزراعة المعتمدة على العمالة المحلية والإنتاج التعاوني والتملك الجماعي للأرض، يحقق تنمية أكثر عدلًا واستدامة، وقد يؤدي إلى إنتاجية أعلى من مجموع الاستثمارات الأجنبية، بشرط دعم الدولة وتيسير آليات تمويلية مبتكرة


للاشتراك في موجز "عدسة" الأسبوعي

"عدسة" موجز أسبوعي من "حلول للسياسات البديلة" - تقدم تحليل سريع لأهم الأخبار والتطورات المتعلقة بالسياسات المحلية، والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية العادلة.