في السنوات الأخيرة، تزايد الحديث عن الحاجة إلى أنظمة الحماية الاجتماعية "الحساسة للمناخ"، "المستجيبة للصدمات"، "الذكية مناخيًا" و"التكيفية" ، التي تجمع بين تدابير الاستجابة للكوارث البيئية، والاستعداد الجيد للأحداث المناخية المتطرفة والتقليل من آثارها طويلة المدى على الفئات الأكثر ضعفًا (Ulrichs, 2019) .

ستُعاني البلدان النامية، بشكل خاص من آثار تغير المناخ، بما في ذلك تفاقم مشكلات الأمن الغذائي، ندرة المياه العذبة، وانتشار الأمراض والأوبئة وغيرها (Bharadwaj et al., 2021). مع ذلك، تُقدم بعض البلدان النامية تجارب عملية ودروسًا مشجعة لبقية الدول، ومنها مصر، حول دور نظم الحماية الاجتماعية في التخفيف من تداعيات تغير المناخ (Vaziralli, 2021).

تغير المناخ: التداعيات على الفقراء

يرتبط تغيُر المناخ، ارتباطًا وثيقًا بالأنماط العالمية لعدم المساواة بين الدول وداخلها. كشفت قاعدة بيانات الأحداث الطارئة (EM-DAT) عن تسجيل البلدان منخفضة الدخل خسائر اقتصادية بلغت 0.61%، من الناتج المحلي الإجمالي جراء الكوارث الطبيعية، أي أعلى بثلاث مرات من البلدان ذات الدخل المرتفع، خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2019 (United Nations Office for Disaster Risk Reduction & Centre for Research on the Epidemiology of Disasters, 2020).

في الوقت نفسه، يتحمل الأشخاص الأكثر ضعفًا وفقرًا وطأة تأثيرات تغير المناخ أكثر من غيرهم، رغم إنهم أقل مساهمةً في الأزمة، بسبب ضعف قدرتهم على الاستجابة والتكيف مع الأضرار الاقتصادية لتغير المناخ (World Bank, 2020). في كثير من الأحيان، تلجأ الأسر غير المشمولة بنظم الحماية الاجتماعية، إلى استراتيجيات المواجهة السلبية في حالة الصدمات، عن طريق بيع أصولهم الإنتاجية (الأرض والماشية)، أو إخراج أطفالهم من المدرسة. مما يدفع العديد من الأسر إلى حلقة مفرغة من الديون والفقر، ويعزز انتقال الفقر من جيل إلى آخر (Bharadwaj et al., 2021). من المُرجح أن يُؤدي تغير المناخ إلى وقوع 100 مليون شخص إضافي في دائرة الفقر المدقع بحلول عام 2030 (World Bank, 2016).

لماذا ينبغي أن تُعالج نُظم الحماية الاجتماعية التداعيات السلبية لتغير المناخ؟

تحظى برامج الحماية الاجتماعية المستجيبة للصدمات "Shock Responsive Social Protection" بأهمية خاصة، كونها تستجيب للصدمات بسرعة كبيرة، (بمجرد استلام المستفيدين للتحويلات النقدية أو المساعدات الغذائية في حالات الطوارئ)، مما يُعزز قدرة المواطنين على استيعاب الآثار السلبية للصدمات البيئية على المدى القصير (Aleksandrova, 2019).

من الأمثلة على ذلك، دور التحويلات النقدية في دعم الأسر التي عانت من الجفاف في زامبيا عام 2015؛ من خلال التقليل من احتمالية خفض استهلاك الغذاء بنسبة 14%، وزيادة إمكانية إنفاق المدخرات بمقدار 6% (Lawlor, 2015). في إثيوبيا، ساعدت التحويلات النقدية المُقدمة عبر برنامج شبكة الأمان الإنتاجية عقب موجة جفاف عام 2008، الأسر المستفيدة في تحسين استهلاك السعرات الحرارية بنسبة 30% مقارنة بالأسر غير المستفيدة (Kuriakose, 2012). في بنجلاديش، عمل برنامج سبل العيش على حماية 95% من المستفيدين من فقدان أصولهم بعد فيضانات عام 2012 (Vaziralli, 2021).

الحماية الاجتماعية كإجراء تعويضي عن الآثار السلبية لتدابير التخفيف من حدة المناخ

تبنت العديد من دول العالم تدابير التخفيف من حدة المناخ (CCM)، بهدف خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. مع ذلك، يمكن أن تتسبب هذه التدابير في خسائر وأضرار اقتصادية للفئات الأكثر ضعفًا على المدى القصير إلى المتوسط (Györi, 2021).

تُظهِر تجارب بعض الدول من أرمينيا وأوكرانيا إلى غانا كيف يمكن لشبكات الأمان الاجتماعي أن تُساعد في تنفيذ إصلاحات دعم الطاقة، عبر توفير الحماية للفقراء من ارتفاع أسعار الطاقة (Bodewig & Hallegatte, 2021). في الفلبين تمّ تعويض إلغاء دعم الطاقة بشكل كامل بين عامي 1996 و2001، من خلال مزيج من التحويلات النقدية الدورية المستهدفة للأسر من ذوي الدخل المنخفض، إعفاء "كبار السن" من رسوم استهلاك الكهرباء، تحويل نقدي لمرة واحدة للمهمشين من مستهلكي الكهرباء، بجانب تبني برنامج لدعم مشغلي الدراجات (Nordic Council of Ministers , 2016) .

كيف يمكن أن تدعم نُظم الحماية الاجتماعية السلوك الصديق للبيئة؟

يمكن أن تُساعد بعض برامج الحماية الاجتماعية المبتكرة في تحفيز الأفراد على تبني سلوكيات صديقة للمناخ. من أمثلة ذلك، برنامج التحويلات النقدية البيئية (ECTs)، أو المدفوعات مقابل الخدمات البيئية (PES)، الذي يُشجع الأفراد على الحفاظ على الأصول الطبيعية واستخدامها بطرق أكثر استدامة، بما في ذلك الغابات والأراضي الزراعية والموارد المائية. من خلال هذا البرنامج، يتم تقديم تحويلات نقدية، للمزراعين أو ملاك الأراضي، الذين وافقوا على اتخاذ إجراءات معينة لإدارة أراضيهم أو موارد المياه العذبة أو الحفاظ على التنوع البيولوجي، على سبيل المثال، إعادة زراعة الأشجار، وعدم قطع الأشجار والحفاظ عليها، باستخدام تقنيات زراعية معينة.

تُشير بعض الدراسات إلى أن برنامجي (Familias en Acción programme) في كولومبيا و(Keluarga Harapan) في إندونيسيا، قد ساهما في تسجيل انخفاض كبير في قطع أشجار الغابات بنسبة تتراوح ما بين 25-30% في البلديات المشاركة. أما برنامج (Bolsa Verde) بالبرازيل، فقد أدى إلى انخفاض في فقدان الغابات بنسبة 44-53% (Györi, 2021).

تغير المناخ والحماية الاجتماعية في مصر

تُعد مصر من بلدان العالم شديدة التأثر بتغير المناخ، ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ، تُعتبر دلتا النيل في مصر واحدة من أكثر ثلاث "نقاط ضعف ساخنة عالميًا" جراء التغيرات المناخية (United Nations Development Programme ([UNDP], 2018b. من المحتمل أن يُؤدي تغير المناخ إلى وصول مصر، في المستقبل القريب، إلى حد الندرة المائية المطلقة، التي تُقدر بـ 500 متر مكعب للفرد سنوياً (Sakr, 2020).

تُشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 23% و49% من إجمالي مساحة المحافظات الساحلية في دلتا النيل ستكون مُعرضة للفيضانات. إلى جانب تعرض 12% من الأراضي الزراعية في مصر للخطر، بسبب تسرب المياه المالحة وتملح التربة، وذلك بافتراض ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو متر واحد (UNDP, 2018a).

مع انخفاض هطول الأمطار وتعرُض البلاد لموجات متتالية من الجفاف، من المُرجح تراجُع الإنتاج الزراعي بنسبة 47% بحلول عام 2060، وستكون الخسائر السنوية في حدود 5 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2100، في حال ارتفاع مستوى سطح البحر بحوالي 1.26 متر. مما سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة 6% (UNDP, 2018a).

في سبيل التكيف مع تغير المناخ، شرعت الحكومة المصرية في الحد من استهلاك مصادر الطاقة الملوثة للبيئة، عبر إصلاح منظومة دعم الطاقة. يمكن أن تؤدي جهود إلغاء الدعم، إلى جانب مبادرات كفاءة الزراعة واستخدام المياه، إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصر بنسبة 13% (International Labor Organization, 2016).

مع ذلك، كشفت بعض الدراسات التي تناولت إصلاح دعم الطاقة في مصر عام 2014 إلى أن ذلك أثر بالسلب على رفاهية الأسرة المصرية، بشكل مباشر، من خلال ارتفاع أسعار سلع الطاقة المستهلكة. بشكل غير مباشر، من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى بسبب زيادة تكاليف المدخلات الوسيطة، مثل النقل والتجارة. الأمر الذي أدى إلى انخفاض متواضع في الاستهلاك الأسري الحقيقي وزيادة طفيفة في مستويات الفقر على المدى القصير (Breisinger et al., 2019).

لذلك قامت الحكومة بزيادة مقدار الدعم الغذائي ونفذت برنامجين للتحويلات النقدية، هما: تكافل وكرامة، لحماية الفقراء والفئات الضعيفة. عملت أيضًا على توسيع نطاق تغطية برامج الحماية الاجتماعية؛ حيث زادت نسبة المستفيدين من البرنامجين من 1% عام 2015 إلى 12% عام 2020 (Ministry of Planning and Economic Development, 2021).

نحو حماية اجتماعية تكيفية في مصر

رغم الأهمية المحورية للبرامج الاجتماعية في مصر، فهناك حاجة ماسة إلى توسيع نطاق تغطيتها وزيادة قيمة الدعم النقدي، مع ضرورة النظر في إمكانية تضمين الطبقة الوسطى في شبكات الأمان الاجتماعي، والعمل على معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ على الفقراء.

أحد الأساليب الواعدة لزيادة قدرة المجتمع المصري على الصمود، هو الحماية الاجتماعية التكيفية "Adaptive Social Protection"، التي تأخذ في اعتبارها الصدمات المرتبطة بتغير المناخ قصيرة وطويلة الأجل، وتدمج تدخلات الحماية الاجتماعية مع إدارة مخاطر الكوارث وتدابير التكيف مع تغير المناخ (Davies et al., 2008). يتطلب تنفيذ منظومة الحماية الاجتماعية التكيفية في مصر، اتخاذ بعض الخطوات، منها:

تضمين الاعتبارات المناخية في أطر الحماية الاجتماعية واستراتيجيات التنمية الوطنية: واستكمال البرامج الاجتماعية بحزمة من أدوات التكيف في القطاعات الأخرى، كالزراعة، البنية التحتية، النقل، الطاقة، إدارة مخاطر الكوارث الوطنية، وأنظمة الإنذار المبكر. إضافة إلى تطوير نظم إعادة التوطين الطوعي للمجتمعات المتضررة من الكوارث، ومبادرات تنمية الموارد البشرية.
تبني مجموعة من أدوات الحماية الاجتماعية المبتكرة: التي تُسهم في توفير مصادر دخل مستدامة للأسر والفئات الضعيفة وحماية البيئة في الوقت نفسه. مثل برامج الأشغال العامة (PWPs) المُراعية للبيئة في ملاوي، سياسات سوق العمل النشطة (ALMPs) في الفلبين، برامج سبل العيش المستدامة(SLP) في منغوليا، وتأمين المحاصيل القائم على الطقس (WBCI) في الهند.
تطوير نظم الحماية الاجتماعية القائمة: عبر توسيعها أفقيًا (توسيع التغطية) وعموديًا (زيادة مستويات المنافع المُقدمة من خلالها). أظهرت التجارب أن البلدان التي لديها أنظمة حماية اجتماعية قائمة بالفعل قبل وقوع الصدمات المناخية تكون أكثر قدرة على إطلاق المزيد من الاستجابة الفورية والفعّالة فور حدوثها.
تعزيز مرونة برامج الحماية الاجتماعية: لتكون قادرة على توسيع نطاقها بسرعة في أوقات الأزمات. وجدت دراسة في منطقة شرق أفريقيا أن تكلفة الجفاف على الأسر المعيشية ترتفع من صفر إلى 50 دولارًا لكل أسرة إذا تأخرت المساعدة الاجتماعية أربعة أشهر بعد موسم الحصاد، ثم إلى 1300 دولار إذا تأخرت تلك المساعدة ستة أشهر أو أكثر (Bodewig & Hallegatte, 2021).
تحسين آليات الاستهداف: عبر تحديد الفئات والقطاعات وكذلك المناطق التي من المحتمل أن تكون الأكثر تضررًا من الكوارث البيئية والسياسات الخضراء في مصر. يمكن الاعتماد على نظم الإنذار المبكر في تحديد المستفيدين المحتملين من البرامج الاجتماعية.
إشراك المجتمع واستشارته: تلعب برامج الحماية الاجتماعية دورًا حاسمًا في بناء إجماع واسع داخل المجتمع حول أهمية تنفيذ تدابير الحد من آثار تغير المناخ والتحول نحو سياسات خضراء أكثر استدامة. يتطلب ذلك مشاركة ممثلين عن القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في مناقشة السياسات الحكومية المقترحة.

المراجع

Aleksandrova, M., Balasubramanian, P., Bauer, S., Beck, T., Brandi, C., & Burchi, F. (2019). Social protection as a tool to address slow onset climate events: Emerging issues for research and policy (Discussion Paper No.16/2019). German Development Institute.
Bharadwaj, R., Chakravarti, D., Karthikeyan, N., & Kaur, D. (2021). Comparative analysis of the efficiency of different social protection delivery mechanisms in the context of climate resilience. International Institute for Environment and Development.
Bodewig, C., & Hallegatte, S. (2021). Building back better after COVID-19: How social protection can help countries prepare for the impacts of climate change. World Bank.
Breisinger, C., Mukashovb, A., Raoufa, M., & Wiebelt, M. (2019). Energy subsidy reform for growth and equity in Egypt: The approach matters. Energy Policy, 129, 661–671.
Davies, M., Leavy, J., Mitchell, T., & Tanner, T. (2008). Social protection and climate change adaptation (Briefing note). Institute of Development Studies.
Györi, M., Diekmann, K., & Kühne, E. (2021). The importance of social protection for climate change mitigation in LMICs: Success stories and opportunities for the future. Deutsche Gesellschaft für Internationale Zusammenarbeit and the German Federal Ministry for Economic Cooperation and Development.
International Labour Organization. (2016). Social protection and climate change: Egypt: How has the removal of fuel subsidies in Egypt affected its people and the climate?
Kuriakose, A. T., Heltberg, R., Wiseman, W., Costella, C., Cipryk, R., & Cornelius, S. (2012). Climate responsive social protection (Discussion Paper No. 1210). World Bank.
Lawlor, K., Handa, S., & Seidenfeld, D. (2015). Cash transfers and climate-resilient Development: Evidence from Zambia’s child grant programme (Innocenti Working Paper No.2015-03). UNICEF Office of Research.
Ministry of Planning and Economic Development. (2021). Egypt's 2021 voluntary national review.
Nordic Council of Ministers. (2016). Learning from leaders: Nordic and international best practice with fossil fuel subsidy reform.
Sakr, D. (2020). Climate change and lessons learned from COVID-19. Alternative Policy Solutions.
Ulrichs, M., Slater, R., & Costella, C. (2019). Building resilience to climate risks through social protection: From individualised models to systemic transformation. Overseas Development Institute.
United Nations Development Programme. (2018a). Climate change adaptation in the Arab states: Best practices and lessons learned.
United Nations Development Programme. (2018b). National adaptation plans in focus: Lessons from Egypt.
United Nations Office for Disaster Risk Reduction, & Centre for Research on the Epidemiology of Disasters. (2020). Human costs of disasters: An overview of the last 20 years, 2000–2019.
Vaziralli, S. (2021). Building climate-responsive social protection. International Growth Centre.
World Bank. (2016). Closing the gap: Building resilience to natural disasters and man-made shocks through social safety nets.
World Bank. (2020). Social dimensions of climate change.

Read Also