تُمثّل مشكلة الحصول على التراخيص أحد أكبر العقبات التي تواجه المستثمرين في مصر، وذلك بالنظر لتعدد الجهات التي يتعامل معها المستثمر وعدم وجود ربط إلكتروني فيما بينها، وكثرة عدد الموافقات والتراخيص اللازمة لممارسة النشاط الواحد، وطول الفترة الزمنية اللازمة لإصدار تلك التراخيص.
حاولت الحكومة عدة مرات التعامل مع هذا الملف الشائك، بهدف تيسير إجراءات الحصول على التراخيص في مختلف المجالات، ووضع إطار زمني لإصدارها. وآخر تلك المحاولات كان استحداث منظومة الرخصة الذهبية بغرض أن تبدأ المشروعات الاستثمارية سريعًا في عمليات التشغيل بعيدًا عن الإجراءات البيروقراطية والمسارات التقليدية المعقدة للحصول على التراخيص.
في هذا المقال نسعى لاستشراف مستقبل <a href="https://www.cabinet.gov.eg/GoldLicense">منظومة الرخصة الذهبية</a> بعد توجه الحكومة للتوسع في منحها، وحساب التكلفة والعائد من القرار.
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;">أولًا ما هو ترتيب مصر في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال؟</h3>
يصدر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال (Doing Business) سنويًا عن البنك الدولي، قبل أن يتوقف بشكل مؤقت عام 2020. ويقيس هذا التقرير سهولة أو صعوبة تنفيذ المشروعات من خلال 10 مؤشرات، منها فيما يتعلق بمنظومة استخراج تراخيص البناء والحصول على الكهرباء، إذ يرصد الوقت والتكلفة وعدد الإجراءات والتشريعات المنظمة.
وجاء ترتيب مصر في التقرير خلال الفترة من 2012 وحتى 2020، على النحو التالي:
<img style="display: block; margin-left: auto; margin-right: auto;" src="https://api-aps.aucegypt.edu/uploads/tinymce/1697590488image1 جدول.PNG" alt="" width="707" height="204">
يتضح من ذلك أنه رغم التحسن في مُؤشرَي "استخراج تراخيص البناء" و"الحصول على الكهرباء"، لكن لا يزال الوضع متأخرًا، إذ جاءت مصر في تقرير عام 2020 في المرتبة 74 في مؤشر "استخراج رخصة البناء"، وفي المرتبة 77 في مؤشر "الحصول على الكهرباء"، وذلك من بين 190 دولة على مستوى العالم.
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;">جوانب التوسع في منح الرخصة الذهبية</h3>
بدايةً ربما يجب توضيح أنه لا يوجد في القانون مصطلح "الرخصة الذهبية"، وأن المصطلح القانوني هو "الموافقة الواحدة"، ولكن يُروّج لتلك الموافقة الواحدة إعلاميًا على أنّها "الرخصة الذهبية"، بغرض جذب المستثمرين لها.
وأجاز قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، أن يصدر بقرار من مجلس الوزراء موافقة واحدة على إقامة بعض المشروعات وتشغيلها وإدارتها، بما في ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات اللازمة، وأن تكون هذه الموافقة نافذة بذاتها دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر، على أن تتولى الهيئة العامة للاستثمار التنسيق مع كافة الجهات المختصة بنشاط تلك المشروعات، ويتعين على تلك الجهات تيسير كافة الإجراءات المتعلقة بنشاط الشركة.
وكان إصدار الرخصة الذهبية مقتصرًا على الشركات المساهمة وذات المسؤولية المحدودة فقط والتي تأسست بعد صدور قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 لإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية، أو مشروعات المشاركة بين القطاع الخاص والدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، وذلك في مجالات محددة صدر بها قرار مجلس الوزراء&nbsp;رقم 56 لسنة 2022 في 21 أغسطس 2022.
لكن في الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للاستثمار بعد إعادة تشكيله في 16 مايو 2023، تمت الموافقة على التوسع في إصدار الرخصة الذهبية، وترجم ذلك في 25 يوليو 2023 بإصدار القانون رقم 160 لسنة 2023 بتعديل بعض أحكام قانون الاستثمار الصادر بالقانون 72 لسنة 2017، حيث نص القانون 160 على تعديل نص المادة 20 من القانون 72 لسنة 2017، لتصبح على النحو التالي: "يجوز بقرار من مجلس الوزراء منح الشركات أيًا كان شكلها القانوني، القائمة أو التي تُؤسس لإقامة مشروعات استثمارية جديدة، أو مشروعات استراتيجية أو قومية تُسهم في تحقيق التنمية في المجالات وبالمعايير التي يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء، أو مشروعات المشاركة بين القطاع الخاص والدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، في أنشطة المرافق العامة والبنية التحتية أو الطاقة الجديدة والمتجددة، أو الطرق والمواصلات أو الموانئ؛ موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وإدارته بما في ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات اللازمة له، وتكون هذه الموافقة نافذة بذاتها دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر".
وبالرجوع لتقرير اللجنة المشتركة عن مشروع القانون المقدم من الحكومة، تبيّن أن اللجنة المكونة من لجنة الشؤون الاقتصادية ومكتبي لجنتي الخطة والموازنة والشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، استبدلت عبارة "أيًا كان شكلها القانوني"، بعبارة "في أحد الأنشطة المشار إليها في المادة 1 من هذا القانون". وقالت اللجنة إنّ الغرض من هذا التعديل هو توسيع نطاق المشروعات التي يجوز منحها موافقة واحدة (الرخصة الذهبية)، بحيث لا تقتصر على المشروعات الواردة بالمادة 1 من قانون الاستثمار، ولكن يجوز أيضًا منحها لأي مشروع أيًا كان شكله القانوني.
بموجب هذا التعديل، تكون الحكومة قد انتهجت سياسة التوسع في إصدار الرخصة الذهبية، وذلك من عدة جوانب: 
أولًا: بمنحها للمشروعات أيًا كان شكلها القانوني، وعدم قصرها على الشركات المساهمة أو ذات المسؤولية المحدودة. 
ثانيًا: من خلال منحها للشركات التي تقوم بإنشاء مشروعات استثمارية جديدة، وعدم قصرها على الشركات التي تأسست لإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية أو مشروعات المشاركة بين القطاع الخاص والدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام. 
ثالثًا: من خلال&nbsp; منحها للمشروعات القائمة، وعدم قصرها على الشركات التي يتم تأسيسها بعد تاريخ صدور قانون الاستثمار.
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;">تكلفة التوسع في منح الرخصة الذهبية</h3>
من جهة التكلفة، يُعد قرار الحكومة بالتوسع في منح الرخصة الذهبية، بمثابة الحل السهل لتجنب الدخول في معركة تطوير وإصلاح الجهات صاحبة الاختصاص في إصدار التراخيص، وذلك من خلال سحب جزء من سلطاتها وصلاحياتها في إصدار التراخيص، وهو ما قد يترتب عليه مخاطر بالنسبة لتنفيذ الرخصة الذهبية نفسها على أرض الواقع بعد صدورها بقرار من مجلس الوزراء، في ظل أن تلك الجهات وبالمشاركة مع الهيئة العامة للاستثمار، ستتولى متابعة التزام الشركات الحاصلة على الرخصة الذهبية باشتراطات وضوابط إقامة المشروع وتشغيله وإدارته وفقًا للقوانين واللوائح المنظمة.
<img style="display: block; margin-left: auto; margin-right: auto;" src="https://api-aps.aucegypt.edu/uploads/tinymce/1697590145image421802-WhatsApp-Image-2023-02-21-at-10.23.20 (1) (1).jpeg" alt="" width="550" height="294">
يُعد ذلك أيضًا اعترافًا ضمني بعدم نجاح التعديلات التشريعية التي أجرتها الحكومة لإصلاح بيئة التراخيص والجهات القائمة عليها، من خلال إصدار العديد من القوانين والقرارات خلال السنوات الأخيرة، وبمراجعة التوقيتات الواردة في تلك القوانين، نجد أن أقصى حد زمني لإصدار التراخيص والموافقات هو 60 يومًا من تاريخ تقديم الطلب مستوفًا، في المقابل لا يوجد إطار زمني محدد لإصدار الرخصة الذهبية من مجلس الوزراء.
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;">عائد التوسع في منح الرخصة الذهبية</h3>
من جهة العائد، قد يكون هذا القرار بمثابة رسالة إيجابية للمستثمرين، تفيد بأن الدولة، وعلى أعلى مستوى، تسعى لحل مشاكلهم المتعلقة بإصدار التراخيص، وتسعى لإزالة العقبات البيروقراطية التي تسببها الجهات المصدرة للتراخيص وتؤدي إلى تأخر تنفيذ مشروعاتهم، وذلك من خلال منحهم موافقة واحدة صادرة من مجلس الوزراء ونافذة بذاتها، دون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء آخر، وذلك لإقامة المشروع وتشغيله وإدارته بما في ذلك تراخيص البناء، وتخصيص العقارات اللازمة.
وجاء التوسع في إصدار الرخصة الذهبية بناءً على موافقة المجلس الأعلى للاستثمار الذي يرأسه رئيس الجمهورية، كما أن الرخصة صادرة من مجلس الوزراء وليس من جهة حكومية بعينها، ومن المفترض أن يُعطي ذلك للرخصة قوة وسرعة في التنفيذ.
<h3 dir="RTL" style="text-align: justify;">حساب التكلفة والعائد</h3>
بحساب التكلفة والعائد، يمكن القول إن قرار الحكومة بالتوسع في منح الرخصة الذهبية، وإن أدى على المدى القريب لنتائج إيجابية، لكنه على المدى البعيد قد تظهر له آثار سلبية، من خلال العراقيل التي قد تضعها الجهات المصدرة للتراخيص، كما قد يُعوّق هذا القرار جهود إصلاح الجهات المصدرة للتراخيص أو يُرجئها على أحسن تقدير.
وفي النهاية، يجدر التنبية إلى أنه ربما كان من الأفضل قصر منح الرخصة الذهبية على الشركات التي تُأسس لإقامة مشروعات استراتيجية أو قومية أو مشروعات المشاركة بين القطاع الخاص والدولة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، وعدم التوسع في نطاق منحها، والتركزي بدلًا من ذلك على معركة إصلاح الجهات المصدرة للتراخيص، وإلزامها بتنفيذ القوانين التي صدرت مؤخرًا لإصلاح بيئة إصدار التراخيص، وفق أُطر زمنية محددة، بالإضافة إلى العمل على إنشاء منصة إلكترونية خاصة بإصدار وتجديد التراخيص، تتضمن توفير كافة المعلومات عن إصدار التراخيص المختلفة، مع وسيلة دفع إلكتروني لسداد الرسوم المطلوبة من جميع الجهات مرة واحدة.
<hr>
المصادر:&nbsp;
- قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 ولائحته التنفيذية.
- قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 56 لسنة 2022
- تقرير اللجنة المشتركة الخاص&nbsp;بتعديل بعض أحكام قانون الاستثمار الصادر بالقانون رقم 72 لسنة 2017.
- <a href="https://archive.doingbusiness.org/en/reports/global-reports/doing-business-reports">تقرير ممارسة أنشطة الأعمال</a> الصادر عن البنك الدولي.

آراء

Commentaries

السياسات الاقتصادية

Read Also