تولي خطط التنمية الحكومية اهتمامًا كبيرًا بتطوير مناطق الإسكان غير الرسمي، خاصةً بعد حادث صخرة الدويقة عام 2008، 1 حيث أنشأت الدولة صندوق تطوير المناطق العشوائية، الذي يقسم مناطق الإسكان غير الرسمي إلى مناطق غير آمنة 2 ومناطق غير مخططة. 3

وتنحصر آليات التعامل مع المناطق غير الآمنة بدرجتيها الأولى والثانية في "إعادة التسكين"؛ إما إعادة التسكين في نفس الموقع بعد إعادة تأهيله، أو إعادة التسكين في مكان آخر. ولضمان جودة حياة الأفراد، يجب الأخذ في الاعتبار الجوانب المادية وغير المادية عند تصميم مجتمعات عمرانية جديدة، وتحديد المعايير المطلوبة في هذه المناطق وكذلك تقييم التجارب التي تم تنفيذها، بحيث تكون قائمة على معايير جودة الحياة كمفهوم شامل لجميع جوانب المعيشة التي يجب أن يحصل عليها الفرد كحق أصيل له.

الإسكان غير الرسمي وسياساته العامة: خلفية تاريخية

مشكلة مناطق الإسكان غير الرسمي في مصر هي من أكثر القضايا إلحاحًا، نظرًا لما لها من انعكاسات عمرانية واجتماعية واقتصادية وأمنية.

بدأ انتشار ظاهرة مناطق الإسكان غير الرسمي منذ ستينيات القرن الماضي كحل لمشكلة كثرة الطلب على وحدات الإسكان الشعبي بالنظر إلى حجم المعروض منها. وبدأت الدولة في توفير تلك الوحدات السكنية في ظل مبادئ ثورة 1952، لمساندة الفئات الأكثر احتياجًا (حليم، 2003).

وخلال سبعينيات القرن العشرين تقلص نشاط الحكومة في مجال الإسكان الشعبي ليصبح إسكان للطبقة الوسطى، كما شجعت الحكومة القطاع الخاص على البناء دون أن تتدخل لضبط أسعار وحدات الإسكان، حيث ارتفعت أسعار الأراضي بنسبة وصلت إلى 200% أو 300% سنويًا خلال الفترة من عام 1974 حتى عام 1980 (الكردي، 1980). وفي ظل تنامي حركة الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن بحثًا عن فرص العمل، إلى جانب ندرة وحدات الإسكان لمحدودي الدخل واختفاء الايجار والاتجاه الى التمليك وغياب دور الدولة في الرقابة، شهدت الأحياء غير الرسمية نموًا ملحوظًا في المدن المصرية.

وفى بداية الثمانينيات استشعرت الحكومة ضرورة التحرك نحو وضع حلول لمشكلة الإسكان، فتبنت الخطة الخمسية الأولى للسنوات من 1982-1983 وحتى 1986-1987، والتي استهدفت إقامة نحو 800 ألف وحدة سكنية.

وبعد زلزال عام 1992 التفتت الدولة لظاهرة مناطق الإسكان غير الرسمي التي أصبحت تهدد أمن واستقرار المجتمع، خاصةً بعد حادث جبل المقطم الأول عام 1993، ثم حادث السيول بدرنكة في صعيد مصر عام 1994، فقامت الدولة بوضع عدد من البرامج للقضاء على ظاهرة مناطق الإسكان غير الرسمي وتوفير وحدات سكنية لمحدودي الدخل.

وتباينت جهود القضاء على مناطق الإسكان غير الرسمي ما بين الإزالة، والإحلال، وإعادة التسكين، وإعادة التأهيل، وتطوير البنية التحتية.
وبدأت الدولة برنامج تطوير مناطق الإسكان غير الرسمي، بمبادرة من وزارة التنمية المحلية في الفترة من 1993 إلى 2000، بتوفير البنية التحتية لـ350 منطقة إسكان غير رسمي، وإزالة 13 منطقة أخرى (صندوق تطوير المناطق العشوائية، 2010).

تلا ذلك تحديث برنامج تطوير مناطق الإسكان غير الرسمي بمبادرة من وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية من 2004 إلى 2008 عن طريق تنفيذ الهيئة العامة للتخطيط العمراني لبرنامج "تحزيم العشوائيات" للحد من امتدادها (صندوق تطوير المناطق العشوائية، 2010). وفي أعقاب حادث الدويقة عام 2008، تم إنشاء صندوق تطوير المناطق العشوائية (القرار الجمهوري 305/ 2008) لإعداد استراتيجية قومية للتعامل مع مناطق الإسكان غير الرسمي. ورصدت الدولة له ميزانية تقدر بنصف مليار جنيه لبدء تشغيله.

قَسّم صندوق تطوير المناطق العشوائية مناطق الإسكان غير الرسمي إلى مناطق غير مخططة ومناطق غير آمنة، على أن تتم "التفرقة بصفة أساسية بين المناطق غير المخططة التي تمثل أصولًا عمرانية مقبولة نشأت دون اتباع الإجراءات الرسمية، والمناطق غير الآمنة التي تمثل خطورة على الحياة والمعيشة والصحة والاستقرار"، (صندوق تطوير المناطق العشوائية، 2010). وأعطى الصندوق الأولوية للمناطق غير الآمنة، مع الأخذ في الاعتبار أن تعريفه لمناطق الإسكان غير الرسمي ينطبق فقط على تلك الموجودة في الحضر، والتي حصرها الصندوق طبقًا لمعايير خاصة.

وتعتبر المنطقة غير آمنة عند توافر شروط انعدام الأمان في 50% فأكثر من مبانيها السكنية. وقد تم تقسيم المعايير إلى أربع مجموعات رئيسية تمثل درجة الخطورة، كما هو موضح بالشكل رقم (1)، وتم مراعاة معايير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) عند وضع ذلك التعريف:

مناطق مهددة للحياة (الدرجة الأولى): وهي المناطق التي تتعرض لظروف تهدد حياة الإنسان، مثل المناطق المعرضة إلى انزلاق الكتل الصخرية، أو السيول، أو حوادث السكة الحديد.

مناطق السكن غير الملائم (الدرجة الثانية): وهي مناطق السكن غير الملائم التي تتكون من مساكن تم بناؤها باستخدام فضلات مواد البناء، أو المنشآت المتهدمة أو المتصدعة، أو المُقامة على أراضي دفن النفايات.

مناطق تضُر بالصحة (الدرجة الثالثة): وهي المناطق التي تهدد الصحة العامة،لانعدام المياه النظيفة أو الصرف الصحي، أو وجودها في مناطق التلوث الصناعي الكثيف أو شبكات الكهرباء الهوائية.

مناطق عدم الاستقرار (الدرجة الرابعة): وهي المناطق التي يفتقد قاطنوها إلى الحيازة المستقرة، وحائزو العقارات بها إلى حرية التصرف في ممتلكاتهم.

وأخيرًا، في عام 2014، تم إنشاء وزارة التطوير الحضري والعشوائيات (القرار الجمهوري 189/ 2014)، ولكن تم دمجها في العام التالي مع وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ليعود صندوق تطوير المناطق العشوائية الجهة المنوط بها التصرف في مناطق الإسكان غير الرسمي.

قصور تعريف مناطق الإسكان غير الرسمي في مصر

ركزت التعريفات المختلفة للإسكان غير الرسمي عبر العقود السابقة على الجوانب المادية فقط؛ مثل القصور في البنية التحتية، والمباني المتهالكة غير المؤهلة للسكن، والكثافة السكانية العالية، والافتقار للحيازة المستقرة. ويَغفل تعريف الدولة الرسمي الجوانب غير المادية، بالرغم من تضُمن الخطط التي وضعها صندوق تطوير المناطق العشوائية لبعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، مثل رفع مستوى الخدمات الصحية للمرأة، وتشغيل الشباب ودعم التدريب الحرفي، ومحو الأمية، وخفض حرمان الأطفال وما إلى ذلك، إلا أنها إما لم يتم تنفيذها بصوره كاملة أو لم تُنفذ قط.

وأصبح الانتقال إلى المدن الجديدة خارج العاصمة محاولة لحل مشكلة المناطق غير الآمنة. إلا أن لسياسات نقل سكان المناطق غير الآمنة بعيدًا عن الموقع الأصلي تكاليف اجتماعية واقتصادية باهظة، في كثير من الأحيان، من أهمها البعد عن فرص العمل.

وأثبتت التجربة أن الكثيرين ممن يتم إعادة تسكينهم بعيدًا عن مناطقهم غير الآمنة يقومون ببيع أو تأجير الوحدات السكنية الجديدة لعدة أسباب، منها:

1- النقل الفوري للسكان من المناطق المهددة للحياة لأي من المشروعات السكنية المتوفرة بالفعل لدى الدولة بصرف النظر عن احتياجاتهم، كما حدث عام 2011، من نقل حوالي 3500 أسرة من منطقة الدويقة وإسطبل عنتر إلى مشروع الإسكان الأولى بالرعاية (مساكن عثمان) بمدينة 6 أكتوبر.

2- تصميم الوحدات والمجمعات السكنية قد لا يتناسب مع احتياجاتهم الفعلية وعاداتهم اليومية، وينتج عن ذلك لجوء الأسر لتوسعة مساحات الوحدات السكنية لتلبية احتياجات الأسرة، أو إقامة تعديات على الفراغ العام لتوفير الخدمات الترفيهية كما حدث بمشروع مساكن زينهم.

3- افتقاد المنطقة الجديدة للخدمات الأساسية (المستشفيات، المدارس، البريد،..الخ).

4- بُعد السكن الجديد عن مكان العمل، مثال مساكن عثمان بمدينة السادس من أكتوبر.

5- عدم نقل قاطني المنطقة غير الآمنة على مرة واحدة، ولكن يتم نقلهم مرحليًا لمناطق سكنية مختلفة كما حدث بمنطقة مساكن زينهم بالقاهرة ومنطقة زرزارة ببورسعيد.

وكان من الممكن تجنب هذا القصور في حال تم إشراك سكان المناطق غير الآمنة في مراحل عملية إعادة التسكين والاستفادة من آرائهم في تطوير المناطق التي سيعيشون فيها. وفي جميع الأحوال يجب على الدولة القيام بعمليات تقييم ما بعد الإشغال، للوقوف على أسباب القصور وعوامل النجاح.

كما يجب على الدولة أيضا الأخذ في الاعتبار ،عند إعادة تخطيط المدن الجديدة أو امتدادها، تخصيص مواقع لنقل سكان المناطق غير الآمنة بها أو تحسبًا لعوامل الهجرة الداخلية للمدن الجديدة بحثًا عن فرص العمل.

نحو سياسات إعادة تسكين تشمل الجميع

يجب أن تعتمد مشروعات تطوير المناطق غير الآمنة مقياس أشمل يضم المعايير العمرانية (الأحياء السكنية، البنية التحتية المُطوَّرة، الأماكن المفتوحة، إلخ) وغير العمرانية (المناطق الترفيهية، الخدمات الأساسية، العادات الاجتماعية، إلخ)، لدراسة الوضع الراهن وتحديد المعايير المطلوبة في المناطق الجديدة. ويجب كذلك تقييم التجارب التي تم تنفيذها سلفًا، لضمان تحقيق "جودة الحياة" كمفهوم شامل لجميع جوانب المعيشة التي يجب أن يحصل عليها الفرد كحق أصيل له.

ينقسم مفهوم جودة الحياة للمدن والبلدان، بهدف رفع رفاهية المواطن وضمان حقوقه، إلى أربعة جوانب رئيسية تنقسم إلى عدد من المحاور الفرعية التي يتم قياسها بمؤشرات تم استخلاصها من المنظمات الدولية (UNDP, 2014; UN-HABITAT, 2013; OECD,2013) كما يلي:

الجوانب العمرانية: لها ثلاثة محاور وهي البنية التحتية، والبيئة الحضرية المبنية، والبيئة الطبيعية.

الجوانب الاجتماعية: يتم تقسيمها إلى ثلاثة محاور وهي المساواة والعدالة الاجتماعية، والجوانب الترفيهية، والأمن والأمان.

الجوانب الاقتصادية: تتلخص في الفقر، ومستوى المعيشة، والثروة والادخار.

الجوانب المؤسسية: لها أربعة محاور وهي الحق في المدينة، الحق في السكن، الحق في المشاركة، والإدارة الفعالة.

خاتمة

لا يجب أن تقتصر سياسات إعادة التسكين وتطوير المناطق غير الرسمية على توفير المياه النظيفة أو الصرف الصحي المحسن أو المَسَكن، بل يجب أن تستهدف الارتقاء بالمنطقة ككل، وبقاطنيها عن طريق توفير مسكن إنساني وخدمات ملائمة للاحتياجات الفعلية للقاطنين. ويجب أن تتلافى تلك السياسات السلبيات غير المادية الناتجة عن البيئة العمرانية المشوهة؛ كارتفاع معدلات العنف والجريمة، وانتشار الأمية والتسرب من التعليم والبطالة، وتدهور مستوى الخدمات الصحية، وتدني الدخول الناتج عن عدم كفاءة القوى العاملة. وبهذا تتحقق بيئة تضمن جودة حياة ملائمة لقاطني المناطق غير الآمنة، تجمع الجوانب المؤثرة عمرانيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، ومؤسسيًا، بهدف الوصول لحياة كريمة ذات جودة، وخلق عمران ملائم لاحتياجات قاطنيه وإحساس السكان بالانتماء للمجتمع والامتزاج فيه.

يستوجب كل ذلك التعاون وتوزيع الأدوار بين الفاعلين في مجال التنمية، من الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص والسلطات المحلية، لبناء مناطق إعادة تسكين متكاملة ومتجانسة مع ما حولها عمرانيًا واجتماعيًا، وتفعيل دور السكان، وإشراكهم في جميع مراحل المشروع.

1- تم تجميع بيانات هذا البحث في الفترة من 2013 - 2016
2- 404 منطقة في 2009، وصلت 364 في 2014 وأخيرً إلى 156 منطقة في 2019.
3- %37.5 من عمران المدن على مستوى جمهورية مصر العربية.

المراجع

حليم، ن. و مخلوف‏، ه.(2003). الأحياء العشوائية‏..‏ رؤية وصفية وتحليلية‏. القاهرة: المركز الديمجرافي
الكردي، م. (1980). النمو الحضري : دراسة لظاهرة الاستقطاب الحضري في مصر. القاهرة: دار المعارف
صندوق تطوير المناطق العشوائية، الخطة القومية لتطوير المناطق غير الآمنة، 2010
عبد المنعم، ن. (2016). المنظومة المتكاملة لإعادة التسكين وتحسين جودة الحياة لقاطني المناطق غير الآمنة: رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. (1948). الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مادة (25.1).
Costanza, R., Fisher, B., Ali, S., Beer, C., & Bond, L. (2011). An integrative approach to quality of life measurement, research, and policy. Surveys and Perspectives Integrating Environment and Society,
Diener, E. (2000). Subjective well-being. The science of happiness and a proposal for a national index. American Psychologist.
Efklides, A., & Moraitou, D. (2015). Looking at Quality of Life and Well-Being from a Positive Psychology Perspective. In A. Efklides, & D. Moraitou, A Positive Psychology Perspective on Quality of Life. New York: Springer.
Gregory, D., Johnston, R., Pratt, G., et. (2009). "Quality of Life". Dictionary of Human Geography (5th ed.). Oxford: Wiley-Blackwell.
Khalil, H. A. (2012). Enhancing quality of life through strategic urban planning. Sustainable Cities and Society.
OECD. (2013). What’s Your Better Life Index.
Power, M. (2003). Quality of life. (S. J. Charles R. Snyder, Ed.) Washington, DC: American Psychological Association.
Seligman, M. E. (2012). Flourish: A Visionary New Understanding of Happiness and Well-being. New York: Free Press.
Tadamun. (2015, April 20). Masākin `Uthmān.Tadamu
UNDP. (2014). Human Development Report, Sustaining Human Progress: Reducing Vulnerabilities and building resilience. Egypt: UNDP.
UN-HABITAT. (2013). State of the World's Cities 2012/2013, Prosperity of Cities. New York: Routledge.

Read Also