في إصدار هذا الأسبوع، نلقي نظرة على التعديلات الضريبية الأخيرة وما تحتاجه منظومة الضرائب لتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى الفرص والتحديات المرتبطة بعودة المحليات إلى الشارع المصري

التعديلات الضريبية والعدالة المنشودة

وافق مجلس النواب المصري في 29 مايو 2023، على حزمة من التعديلات الضريبية شملت رفع حد الإعفاء من ضريبة الدخل السنوي بنسبة 50%، إضافة إلى استحداث شريحة جديدة بضريبة تُقدر بنحو 27.5% لأصحاب الدخول التي تزيد على 1.2 مليون جنيه سنويًّا. ومن المتوقع أن تدر هذه التعديلات التي ستدخل حيز التنفيذ في يوليو المقبل، عوائد إلى خزينة الدولة قد تصل إلى 1.2 مليار جنيه العام المالي القادم. كما اشتملت التعديلات على حزمة أخرى من الضرائب والرسوم (تتراوح بين 5% و20%) على مجموعة من السلع الفاخرة والأنشطة الترفيهية ورسوم مغادرة البلاد للمصريين.

وتعتبر الإيرادات الضريبية المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية في مصر، حيث بلغت نسبتها نحو 73.6% من إجمالي الإيرادات الحكومية خلال العام المالي 2022/2021.

السياسات الضريبية كأدوات مالية هامة

تأتي السياسات الضريبية كأدوات مالية هامة لتحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، تشمل فتح قناة تمويل لموازنة الحكومة لدعم أوجه نفقاتها المختلفة والاستثمارات، وتوفير السلع والخدمات العامة. كما تلعب السياسات الضريبية الكفؤ دورًا هامًّا في عملية إعادة توزيع الدخول والثروات من خلال فرض ضرائب على أصحاب الدخول والثروات الأعلى في سبيل تمويل دعم الفئات الأقل دخلًا، ومن ثم تحقيق مستوى أفضل من المساواة بين فئات المجتمع.

الوعاء الضريبي في مصر

اتخذت الحكومة عدة إجراءات في الفترة الأخيرة لتوسيع أوعيتها الضريبية، أهمها فرض الضريبة على القيمة المضافة عام 2016، وتفعيل الضريبة العقارية، وتحديث نظام إدارة الضرائب الجمركية.

تشكل الضرائب على السلع والخدمات - التي تشمل ضريبة القيمة المُضافة - نسبة 45.8% من جملة الضرائب في 2021/ 2022، تأتي بعدها الضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية وأرباح شركات الأموال بنسبة 39%، ثم الضرائب على الممتلكات بنسبة 9.1%.

ورغم تزايد اعتماد الدولة المصرية على الضرائب، التي بلغت نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر (tax to GDP ratio) من 12% إلى 13.3% في 2020، فإنها لا تزال متراجعة عن متوسط الدول الأفريقية الذي بلغ 16% في نفس العام، والمتوسط العالمي الذي يبلغ 20%. تُستخدم نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي لتحديد مدى جودة توجيه حكومة الدولة لمواردها الاقتصادية وإنفاق المزيد على تحسين البنية التحتية والصحة والتعليم. ويرى البنك الدولي أن الضرائب تصبح مكونًا رئيسيًّا للنمو الاقتصادي والحد من الفقر إذا تعدت حد الـ15% كنسبة من الناتج المحلي للبلاد، وهي النسبة التي لم تحققها مصر بعد.

الضرائب والعدالة المفقودة

شكلت ضرائب السلع والخدمات نسبة 45.8% من إجمالي الضرائب في ميزانية عام 2022/2021، واحتلت ضريبة القيمة المضافة أكثر من نصف (56%) هذا النوع من الضرائب. يشير الخبراء إلى أن زيادة الاعتماد على ضرائب القيمة المضافة - التي توسعت في التعديلات الأخيرة - قد يُهدد اعتبارات العدالة الاجتماعية، خاصة في ظل ارتفاع نسب الفقر واللامساواة ومعدلات التضخم.

يرتفع عبء هذه الضريبة على أصحاب الدخول الُمنخفضة عن غيرهم من الفئات، إذ إن النسبة الأكبر من إنفاق هذه الفئة مُوجه نحو استهلاك السلع الأساسية بشكل رئيسي، وبالتالي تتحمل هذه الفئة النسبة الأكبر من الضريبة. يُضاف إلى ذلك التهديد الذي تمثله على دخول الطبقة المتوسطة المرشحة للانحدار إلى دائرة الفقر بقدر ما تستقطعه هذه الضريبة من قدراتها الشرائية.

تعد التعديلات الأخيرة على ضرائب الدخول المرتفعة خطوة جيدة نحو إعادة توزيع العبء الضريبي بشكل أكثر إنصافُا، إلا أن نسبة الضرائب على الدخول والأرباح الرأسمالية ما زالت منخفضة (39%) مقارنة بضرائب السلع والخدمات، فما زالت ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة المصرية غير مفعَّلة. كما أن الضريبة على الممتلكات لا تمثل سوى 9.1% من إجمالي الضرائب حتى الآن، على الرغم من توصيات الخبراء بضرورة زيادة ضرائب الثروة (الضرائب على الأصول والتركات والهبات) لتحقيق درجة أعلى من العدالة الاجتماعية. يظل التحدي الذي تواجهه مصر هو تبني سياسات ضريبية تحقق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، بالتوجه نحو توسيع القاعدة الضريبية وتعظيم الاستفادة من الضرائب في الإنفاق التنموي، دون الإخلال بعدالة التوزيع.

المحليات في مصر: انتظار لا يجب أن يطول

دارت في الأسابيع الأخيرة جلسات في الحوار الوطني حول ملف المحليات، واتفق مختلف المشاركين على ضرورة التعجيل بإصدار قانون المجالس المحلية الشعبية – والذي استمر تأجيله منذ 2016 – والإسراع بإجراء الانتخابات في ظل العديد من المشاكل التي تواجهها المحافظات بسبب غياب الإدارة المحلية الفعالة واللامركزية.

تعتبر مصر واحدة من أكثر الدول مركزية في العالم، حيث احتلت المرتبة 114 من أصل 158 دولة في مؤشر اللامركزية، وفقًا لدراسة أجراها البنك الدولي

ما هي المجالس المحلية وأهميتها؟

طبقًا لدستور 2014 وتعديلاته في 2019، فإن الإدارة المحلية هي المكون الثالث للسلطة التنفيذية بعد رئيس الجمهورية والحكومة، حيث يتم تقسيم الدولة إلى وحدات إدارية، منها: المحافظات، والمدن، الأحياء، والقرى.

وتختص المجالس المحلية كسلطة منتخبة بمتابعة ورقابة أداء الأجهزة التنفيذية في تقديمها للخدمات المختلفة، كالمواصلات والمستشفيات والشوارع والسكن والصرف الصحي والمدارس والأسواق. وتساهم زيادة الصلاحيات الممنوحة للمحليات إذا تم استثمارها بشكل صحيح في تخفيف العبء الواقع على الحكومة والبرلمان، والعمل على تحسين كفاءة إدارة وتشغيل المرافق العامة، وتوظيف الموارد بشكل أفضل، وتنمية الكوادر السياسية والإدارية.

غياب المحليات

شهد عام 2008 آخر انتخابات للمجالس المحلية في مصر، والتي كان يسيطر عليها الحزب الحاكم حينها، أعقبها قرار محكمة القضاء الإداري عام 2011 بحل المجالس المحلية لفقدانها الشرعية الدستورية. ويدير حاليًّا المحليات مسؤولون معينون من قبل وزارة التنمية المحلية. وألزم الدستور البرلمان بإعداد قانون جديد للإدارة المحلية خلال فترة انتقالية لمدة 5 سنوات منذ 2014، يعقبها إجراء انتخابات -وهو ما لم يحدث- لتسجل بذلك المحليات المنتخبة دستوريًّا غيابًا دام أكثر من 12 عامًا. ويشير المختصون إلى أن غياب السلطات المحلية المنتخبة حاليًّا يعد عاملًا قويًّا في تفشي الفساد، ويؤثر بنسبة 90% في جودة ونوعية الخدمات المقدمة للجمهور.

وحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، تحتل مصر المرتبة 130 بين 180 دولة، متراجعة بذلك عن المركز 105 عام 2018.

الاستقلال المالي للمحليات

تخصص البلدان المتقدمة من 30% إلى 40% من الموارد العامة للإنفاق على المستوى الإقليمي والمحلي، وتخصص الاقتصادات الناشئة من 20% إلى 30%، بينما تنفق مصر في المقابل أقل من 15% فقط من مواردها العامة على المستوى المحلي.

يساهم توافر موارد ومشاريع محلية وميزانية مستقلة لكل مجلس محلي في تحقيق قدر أكبر من العدالة الاجتماعية والاستجابة لأولويات الإنفاق المطلوبة. ويعتبر التمويل المحلي من الضروريات الأساسية لإحداث تنمية مستدامة، إلا أن بعض العقبات تقف أمام استقلالية التمويل، وتشمل:

ورغم منح المادة 182 من الدستور المصري الحق للمجلس المحلي بأن تكون له موازنة مستقلة، وإعلان الحكومة عن الحاجة إلى تعظيم التمويل الذاتى لها، فإن المحليات تعاني مركزية مالية شديدة.

وتبرز تجربة المحليات في البرزايل ضمن النماذج الناجحة في العالم، حيث اعتمدت أكثر من 120 مدينة في العقدين الماضيين على تفعيل الميزانية التشاركية (Participatory Budgeting-PB)، حيث تُعقد اجتماعات ومناقشات عامة على مدار العام في كل بلدية لتحديد كيفية إنفاق الأموال العامة في العام التالي. خلال هذه الاجتماعات، يقدم المجلس المحلي الحسابات وخطط الاستثمار للمناقشة مع ممثلي المجتمع. تحسنت الخدمات العامة للفقراء بشكل كبير في المحليات التي اعتمدت هذا المبدأ مقارنة بتلك التي لم تتبناه، مع زيادة الإنفاق على التعليم والصرف الصحي، وانخفاض معدلات وفيات الرضع.

تحديات وتوصيات

ما زالت هناك حاجة إلى بحث سبل إصلاح الإدارة المحلية، وليس فقط التركيز في إقرار قانون الإدارة المحلية الجديد أو تحديد موعد الانتخابات. وتشمل التحديات التي تواجهها المحليات، حتى وإن تم إقرار القانون وإجراء الانتخابات:

وجود نظام المجلسين المتوازي، حيث يوجد بكل وحدة مجلس معين "تنفيذي" وآخر منتخب "رقابي"، مع عدم فصل واضح للأدوار وتغول سيطرة الجانب التنفيذي في أوقات كثيرة.
انخفاض قدرات ومهارات أعضاء المجالس المحلية وضعف التدريب مع تضخم أعداد العاملين.
عشوائية التعيين في المناصب التنفيذية المحلية واعتبارها "مكافآت" نهاية الخدمة للعاملين في الأجهزة البيروقراطية بدلًا من وجود معايير اختيار موضوعية.

وتشير توصيات المختصين إلى أن تمكين المحليات ودعمها بقدر أكبر من اللامركزية المالية والإدارية، مع تفعيل آليات رقابية أشد ضد الفساد، سيمنع وقوع شريحة أكبر من المواطنين في دائرة الفقر، ويحقق تنمية أكثر شمولًا واستدامة.

للاشتراك في موجز "عدسة"

"عدسة" موجز أسبوعي من "حلول للسياسات البديلة" - تقدم تحليل سريع لأهم الأخبار والتطورات المتعلقة بالسياسات المحلية، والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتنمية العادلة

Read Also