يواجه العالم حاليًا العديد من التحديات، لعل أهمها انتشار فيروس كورونا كوفيد-19، الذي سيؤدي إلى تزايد معدلات الإعاقة على مستوى العالم. ولن يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل تشير بعض التوقعات إلى زيادة معدلات البطالة، خاصة بين الفئات الأكثر تهميشًا، نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية التي سببها هذا الفيروس (ILO, 2020). ولا شك أن ذوي الإعاقة، وخاصة العاملين في القطاع غير الرسمي، هم الأكثر تضررًا من هذه الأزمة.

يعاني أكثر من مليار شخص في العالم (15%) من شكل واحد على الأقل من أشكال الإعاقة. [i] وفقًا للمسح الصحي العالمي، هناك حوالي 785 مليون شخص، ممن تبلغ أعمارهم 15 عامًا فما فوق (15.6%) من أحد أشكال الإعاقة (منظمة الصحة العالمية، 2011). وفي مصر، تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2017) إلى أن معدلات الإعاقة بين السكان من سن خمس سنوات فما فوق تبلغ 10.5% (إعاقة بسيطة)، و2.5% (إعاقة متوسطة) و0.5% (إعاقة شديدة). فيما أظهرت بيانات مسح سوق العمل لعام 2018 ارتفاع معدلات نفس الفئة العمرية إلى 16.6% (إعاقة بسيطة) و4.6% (إعاقة متوسطة) و0.9% (إعاقة شديدة).

ومن ناحية أخرى، انخفضت معدلات التوظيف في مصر انخفاضًا ملحوظًا بين السكان في سن العمل (15-64)، من 47% عام 2012 إلى 44% في عام 2018، مؤثرةً بذلك على الذكور والإناث، حيث تراجعت معدلات التوظيف بين الذكور من 77% في عام 2012 إلى 72% في عام 2018، وانخفضت معدلات التوظيف بين الإناث من 18% في عام 2012 إلى 17% في عام 2018 (Krafft, Assad, & Keo, 2019).

يحاول هذا المقال تسليط الضوء على أهم السياسات والتدابير الحكومية الرامية إلى تحقيق الرفاه والعمل اللائق لذوي الإعاقة، بالاضافة الى التعرف على وضع ذوي الإعاقة في سوق العمل المصري، والخروج ببعض السياسات الملائمة لتوفير بيئة عمل آمنة ولائقة لذوي الإعاقة في مصر.

الإعاقة وسياسات التوظيف

وقعت مصر العديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بالأشخاص ذوي الإعاقة، ومنها اتفاقية العمل الدولية بشأن التأهيل المهني والعمالة (المعوقون)، واتفاقية العمل العربية بشأن (تأهيل وتشغيل المعوقين)، واتفاقية الأمم المتحدة بشأن (حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة)، والبرتوكول الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وأخيرًا جدول أعمال 2030 للتنمية المستدامة الصادر عن الأمم المتحدة. وتطبيقا لذلك، صدر القانون رقم (10) لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والذي تضمن بابًا كاملًا عن حقوق ذوي الإعاقة في الإعداد المهني والتدريب والحق في العمل.

أكد القانون 10\2018 على "التزام الدولة بضمان حق الأشخاص ذوي الإعاقة في الحصول على فرص متكافئة للعمل، تتناسب مع مؤهلهم الدراسي وإعدادهم المهني [...] وتوفير الحماية لهم في ظروف عمل عادلة بالمساواة مع الآخرين" (المادة 20). كما ألزم القانون أصحاب الأعمال ممن يقومون بتشغيل 20 عاملًا أو أكثر بتعيين ما لا يقل عن 5% من العاملين من الأشخاص ذوي الإعاقة (المادة 22). وتضمن القانون إنشاء قاعدة بيانات لذوي الإعاقة تنفذها وزارتيْ الصحة والتضامن الاجتماعي بالتعاون مع المجلس القومي لشئون الإعاقة، غير أنها استهدفت توفير الخدمات الصحية فقط (المادة 6).

وعلى الرغم من ضمان القانون والدستور المصري لحقوق ذوي الإعاقة، فإنهم لا زالوا يواجهون معدلات أعلى من الاستبعاد من التشغيل أو التوظيف مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة ومن ثم ارتفاع معدلات الفقر.

وتشير بيانات مسح سوق العمل في مصر لعام 2018 إلى ارتفاع نسب الإعاقة بين الفئات الأكثر فقرًا. ومن الجدير بالذكر أن تلك المعدلات ترتفع في المناطق الحضرية خاصة في إقليم الإسكندرية والسويس (28.6%) وإقليم القاهرة الكبرى (17.9%) مقارنة بـ 10.7% في حضر الوجه القبلي. كذلك ترتفع تلك المعدلات بشكل ملحوظ بين فقراء القاهرة الكبرى بشكل عام، حيث بلغت 19.7% بين الفقراء مقارنة بـ 17.7% بين غير الفقراء. وأخيرًا، ترتبط الإعاقة ارتباطًا تدريجيًا بمدى توفير الأمن الغذائي؛ حيث أشار 22.9% من ذوي الإعاقة إلى شعورهم بعدم القدرة على توفير الطعام، مقارنة ب 13.8% من غير ذوي الاعاقة (Sieverding & Hassan, 2019).

أما فيم يتعلق بقضايا البطالة والتشغيل، نجد أن ما يقرب من 82% من الإناث اللاتي يعانين من إعاقة بسيطة مستبعدات من قوة العمل مقارنة بـ 77% من غير ذوات الإعاقة، وينطبق الأمر نفسه على الذكور (34.3% من ذوي الإعاقة مستبعدون من قوة العمل مقارنة بـ 25.3% من غير ذوي الإعاقة). ومن الملاحظ أن الفارق طفيف في معدلات التوظيف بين النساء من ذوات الإعاقة ومن ليس لديهن إعاقة (16.1% و16.2% على التوالي)، بل نجد أن نسبة البطالة بين ذوات الإعاقة أقل مقارنة بغير ذوات الإعاقة (2.2% و6.7% على التوالي)، والعكس صحيح بالنسبة للذكور، حيث نجد أن نسبة البطالة تقل بين غير ذوي الإعاقة مقارنة بذوي الإعاقة (4.6% و5.8% على التوالي)، (Sieverding & Hassan, 2019).

وبالنظر إلى التشغيل بحسب القطاع (رسمي أو غير رسمي) نجد أن النساء ذوات الإعاقة يتركزن في القطاع غير الرسمي بنسبة 57.7% مقابل 51% ممن لا يعانين من إعاقة. بينما العكس صحيح بالنسبة للذكور، حيث ترتفع نسبة تشغيل ذوي الإعاقة من الذكور في القطاع الرسمي مقارنة بغير ذوي الإعاقة (65.4% و60% على التوالي).

وتؤكد هذه النسب التمييز المضاعف الذي تواجهه النساء ذوات الإعاقة. فهن يعملن في القطاع غير الرسمي، الذي يعاني العاملون به من العديد من المشاكل، أهمها عدم تغطيتهم بالتأمينات الاجتماعية أو الصحية (لا تتعدى نسبة العاملين بعقود قانونية في هذا القطاع 1%). علاوة على ذلك، تتعرض النساء العاملات في هذا القطاع للتمييز القائم على النوع، خاصة فيما يتعلق بالأجور، كما أنهن يواجهن مخاطر التعرض لأمراض وإصابات العمل مما يشكل عبئًا إضافيًا على كاهلهن، بسبب عدم قدرتهن على تحمل التكاليف المرتفعة للعلاج، الأمر الذي قد يؤدى إلى توقفهن عـن العمل لفترات طويلة وبالتالي توقف مصدر الدخـل الـذى يعتمدن عليـه فـي مواجهة تكاليف الحياة.

الحلول المقترحة

توفير قاعدة بيانات شاملة لذوي الإعاقة: استجابةً للمادة 6 من قانون الإعاقة، قام المجلس القومي لشئون الإعاقة بالتعاون مع وزارتي الصحة والتضامن الاجتماعي بتصميم استمارة حصر إلكترونية لإنشاء قاعدة بيانات لذوي الإعاقة الخاصة، غير أن تلك الاستمارة اقتصرت على بعض الأسئلة المتعلقة بالصحة فقط. ومن ثم، من الضروري توفير قاعدة بيانات خاصة بالتشغيل والتوظيف لذوي الإعاقة تضم جميع المعلومات المتعلقة بالتعليم ونوع الإعاقة، لإيجاد العمل المناسب وتحديد أهم المهارات والتدريبات التي حصل عليها المستفيد، أو التي يرغب في الحصول عليها من أجل توظيفه، بحيث تكون آلية تربط ذوي الإعاقة بسوق العمل وأصحاب الأعمال.

تفعيل آليات التعلم بالعمل: وذلك من خلال دمج ذوي الإعاقة في قطاع الأعمال (بحيث يتناسب نوع الإعاقة مع مكان العمل) لتأهيلهم وتدريبهم ومن ثم رفع قدراتهم الوظيفية. وتعد هذه وسيلة فعالة في نقل التعلم ونقل المهارات الفنية، فيكتسب أصحاب العمل عمالة ماهرة وفي نفس الوقت يتيح لذوي الإعاقة القدرة على التعلم المهني. وقد بدأت بالفعل بعض الشركات في مصر مثل مجموعة سيكم (Sekem) ومؤسسة ابتسامة بدمج الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن ثم فلابد من دراسة التجربة والتعرف على إمكانية تعميمها على الشركات الأخرى.

توفير برامج الحماية الاجتماعية الشاملة لذوي الإعاقة: توفر وزارة التضامن الاجتماعي برنامج كرامة الذي يقدم بعض المساعدات المالية لذوي الإعاقة. [iii] وهو برنامج مؤقت يسعى إلى تخفيف وطأة الفقر عن المحتاجين والفقراء. غير أنه يفتقد إلى مبدأ الحق في الحصول على خدمات اجتماعية شاملة لذوي الإعاقة. وبالنظر إلى النتائج السابقة، التي أظهرت أن غالبية النساء ذوات الإعاقة (البسيطة) يعملن في القطاع غير الرسمي، فإنه من الضروري ضمان توفير برامج الحماية الاجتماعية الشاملة لذوي الإعاقة، وخاصة أولئك العاملين في القطاع غير الرسمي، وذلك من خلال توفير عقود عمل قانونية لجميع العاملين في هذا القطاع ليكونوا مشمولين بمنظومة التأمين الصحي والتأمين الاجتماعي مما يضمن لهم الحق في الحصول على الرعاية الاجتماعية والصحية كحق غير قابل للتصرف. وينبغي أن يتم تطبيق ذلك ضمن خطة تضع الركائز الأربع للعدالة الاجتماعية، أي المساواة والإنصاف والحقوق والمشاركة، في صميم أهداف السياسات العامة.

توفير بيئة عمل آمنة ومتفهمة لاحتياجات ذوي الإعاقة سواء في مكان العمل أو خارجه: فيم يتعلق بمكان العمل، ينبغي أن ينشر أصحاب الأعمال ثقافة الاحترام وإتاحة المعلومات المتعلقة بآداب الإعاقة لجميع الموظفين، بالإضافة إلى توعية المشرفين وزملاء العمل بآليات التعامل مع ذوي الإعاقة في مكان العمل. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، نجحت شركة "آكسنتشور" في إطلاق برنامج للتوعية حول الصحة النفسية ودعم ثقافة الدمج، حيث تطوع العديد من الموظفين للعب دور "الخبير" في مسائل الصحة النفسية الذي يلجأ إليه الموظفون للحصول على معلومات أو دعم لأنفسهم أو للآخرين. وبالفعل تم تطبيق هذا البرنامج في كل من أستراليا وأيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية (منظمة العمل الدولية، 2015). أما خارج مكان العمل، فمن الضروري توفير وسائل مواصلات عامة آمنة وملائمة لذوي الإعاقة تساعدهم على التنقل بسهولة من وإلى العمل.

الخاتمة

لابد من وضع سياسات ملائمة وفعالة لإيجاد العمل اللائق لذوي الإعاقة بما يتماشى مع جهود مصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، والاتفاقيات الدولية والعربية المتعلقة بتبني برامج الحماية الاجتماعية الشاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تضمن حقوقهم في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل والتنقل والتقاعد. وينبغي أن يكون لجميع العمال، وخاصة ذوي الإعاقة، الحق في الوصول إلى الرعاية الصحية اللائقة، والبقاء في المنزل عندما يشعرون بتوعك دون التعرض إلى فقدان عملهم. كما ينبغي أن يتمتعوا بالحق في الحصول على دعم نقدي مناسب في حالة استبعادهم من العمل.

وقامت بعض الحكومات بالفعل بزيادة الإنفاق على الدعم الاقتصادي المقدم للأسر خلال أزمة كورونا (كوفيد-19)، حيث قدمت كل من الصين وأيرلندا والمملكة المتحدة مزايا مرضية للعمال المعزولين أو المعزولين ذاتيًا. كما تقدم ألمانيا وهولندا إعانات البطالة الجزئية للعمال الذين تم تقليص ساعات عملهم بسبب انخفاض الطلب. وبالمثل، قامت الصين وفرنسا والبرتغال وسويسرا بتوسيع نطاق الأهلية للحصول على إعانات البطالة لتشمل العاملين في الشركات التي تلقت أوامر بالإغلاق المؤقت، في حين قامت أستراليا والصين والبرتغال بتوسيع نطاق المساعدة الاجتماعية لتشمل السكان الأكثر هشاشة (ILO, 2020).

[i]تعرف منظمة الصحة العالمية الإعاقة على أنها العلاقة بين الحالة الصحية والوظيفية للأفراد وبين بيئاتهم المختلفة، ولذلك طور فريق واشنطن المعني بإحصاءات الإعاقة (2009) أداة قياس جديدة للإعاقة تركز على مستويات مختلفة من الصعوبة في ستة مجالات وظيفية: الرؤية والسمع والمشي والإدراك والرعاية الذاتية والتواصل. على أن تكون تكون خيارات الاستجابة لكل مجال: "لا توجد صعوبة"، أو "توجد بعض الصعوبات"، أو "توجد الكثير من الصعوبة"، أو "لا توجد صعوبة على الإطلاق". وفى هذا المقال، يشير تعريف "الإعاقة البسيطة" لأي فرد لديه على الأقل بعض الصعوبة في أداء مهمة واحد من المجالات الست السابقة. ويشير تعريف "الإعاقة الشديدة" لمن لا يمكنهم القيام بمهمة واحدة على الأقل من المجالات الست على الإطلاق. بين هذين التعريفين، يشير التعريف "المتوسط" إلى الأفراد الذين أجابوا بأنهم يواجهون الكثير من الصعوبة أو لا يستطيعون القيام بالمهام على الإطلاق في أي من المجالات الستة (Sieverding & Hassan, 2019).
[ii] تقدَّم مساعدات كرامة لمن لا يستطيعون العمل، وتبلغ قيمة المساعدة 450 جنيها فقط.

المراجع

(2020). COVID-19: Social protection systems failing vulnerable groups. ILO. https://www.ilo.org/global/about-the-ilo/newsroom/news/WCMS_739678/lang--en/index.htm.
Krafft, C., Assad, R., & Keo, C. (2019). The Evolution Of Labor Supply In Egypt From 1988-2018: A Gendered Analysis. Working Paper 1358: Economic Research Forum. http://erf.org.eg/wp-content/uploads/2019/10/1358.pdf
Nazier, H. (2017). Female Labor in Egyptian Manufacturing Sector: The Demand Side Story. Economic Research Forum, Egypt. https://erf.org.eg/wp-content/uploads/2018/02/Hanan-Nazier.pdf.
Sieverding, M & Hassan, R. (2019). Associations between economic vulnerability and health wellbeing in Egypt. Working Paper No. 1364: Economic Research Forum.
United Nations Development Programme (UNDP) and the Ministry of Planning, Monitoring and Administrative Reform. (2015). Egypt’s Progress towards Millennium Development Goals (MDGs), https ://www .undp .org /content /dam /egypt /docs /Publications /Docs في المائة 20 MDGs /Final في المائة 20 MDG في المائة 20 English في المائة pdf
UN Global Compact & ILO. (2015). Guide for Business on the RIghts Persons with Disabilities.
WHO. (2011). World report on disability 2011. https://apps.who.int/iris/bitstream/handle/10665/70670/WHO_NMH_VIP_11.06_ara.pdf?sequence=3 [In Arabic].

Read Also